اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > حلبة الروتين في الدوائر الحكومية تزهق أرواح المراجعين

حلبة الروتين في الدوائر الحكومية تزهق أرواح المراجعين

نشر في: 29 مارس, 2013: 09:01 م

بعد أحداث 2003 وسقوط النظام السابق استبشرنا خيراً في حياة مزدهرة بعيدة عن الاضطهاد وضياع حقوق الفرد بين المماطلة والتسويف ضمن روتين قاتل ،وتوقعنا أن تراجع الحكومة الأساليب البائسة التي كانت تمارس في دوائرها ، وتفاءلنا بظهور صورة جديدة لأجهزة الدولة ت

بعد أحداث 2003 وسقوط النظام السابق استبشرنا خيراً في حياة مزدهرة بعيدة عن الاضطهاد وضياع حقوق الفرد بين المماطلة والتسويف ضمن روتين قاتل ،وتوقعنا أن تراجع الحكومة الأساليب البائسة التي كانت تمارس في دوائرها ، وتفاءلنا بظهور صورة جديدة لأجهزة الدولة تعتمد على الأجهزة الحديثة في تسيير معاملات المواطنين وإلغاء مراحل من الروتين، ولكن خابت آمال الجميع، فقد ظل الروتين جاثما على صدر المراجع ، وظلت الأساليب القديمة كما كانت عليه وظل جدار المماطلة والتسويف و(تعال باجر ) يجابه المواطن الذي يراجع تلك الدوائر، بل أكثر من هذا فقد زادت صعوبات المراجعة  في الوقت الحاضر تعقيدا وكثرة الرسوم والأوراق المطالب بها وانتشرت الرشوة حتى صارت تؤخذ علنا. وصار الإقبال على مراجعة دائرة حكومية  أمرّ من تجرع السم الزعاف . ويبقى السؤال: متى يتم التخلص من هذا الروتين القاتل في دوائرنا ؟،ومتى تدخل الأجهزة الحديثة في انجاز المعاملات الرسمية؟ ومتى يؤهل الموظف لتحسين أدائه وطرق معاملته للمواطن ،هذه الأسئلة وغيرها كانت محور تحقيقنا التالي.

لِمَ لا تختصر الأوراق الرسمية ؟

هيثم كمال 33 سنة مهندس : في كل دول العالم المتحضرة ،يكون للمواطن بطاقة ثبوتية واحدة تجمع عدة وثائق ، وثانية هي جواز سفره . بينما نحن لدينا عدة وثائق نحملها ونطالب بها لسبب أو لآخر ، فهناك شهادة الجنسية وبطاقة الأحوال المدنية وبطاقة السكن والبطاقة التموينية وإجازة السوق وجواز السفر و..و..و . ولا ندري الداعي لامتلاك كل هذه الوثائق غير إرباك المواطن واستنزاف طاقته وجهده وأمواله وإشغال أكثر من دائرة ومئات الموظفين وحمل صرف رواتبهم وشغل البنايات لتلك الدوائر ، وما يتبعها من أجهزة وقرطاسية ، والمصيبة الكبرى حين يفقدها المرء ويسعى للحصول على بدل ضائع لها .وإذا كان من سكنة المحافظات فالمصيبة أعظم وأمر .لذا على الحكومة مراجعة أمر هذه الأوراق وإصدار التعليمات بإلغائها وإصدار واحدة أو اثنتين بدلا عنها.

 

الأساليب المتّبعة في دوائرنا قديمة

عبد الحليم منصور معلم 45سنة :في الدول المتحضرة تستطيع الحصول على أي مستمسك رسمي من خلال مراجعة واحدة وحالما ينجز تستطيع استلامه عن طريق مكتب البريد ، بينما نحن يتحتم علينا أن ندخل في سباق ماراثوني ونراجع الدائرة أكثر من مرة للحصول على احدها أو الفوز بحق من حقوقنا .وقد نتعرض لضغوطات كثيرة منها مساومة وابتزاز بعض الموظفين من ذوي النفوس الضعيفة لدفع الرشوة . وقد يضطرك الأمر للسفر إلى المحافظات لجلب ورقة ، لافتقار دوائرنا إلى الأجهزة الحديثة كالكومبيوتر والفاكس وغيرها لتدرأ عنا عناء السفر والحصول على الأوراق المطلوبة من خلال هذه الأجهزة الحديثة .

تأهيل الموظف الحكومي

نادرا ما نسمع عن موظف التحق بدورة تدريبية فالموظف بعدما يتعين يأتي من الشارع إلى الوظيفة ويكتسب الخبرة من الزملاء . فهو غير ملم بتفاصيل العمل. قد يكون الجهل بها سببا في تعقيد سبيل المراجعة ، تدفع بالمواطن إلى الجري وراء أمور هو في غنى عنها لولا جهل الموظف بأسرار وظيفته . لذا يتوجب على كثير من الموظفين المشاركة بدورات تأهيلية تمكنهم من أداء واجبهم الوظيفي على أحسن وجه وتعلمهم طريقة التعامل مع المواطن بموضوعية وحيادية وبأخلاق دمثة فبعض الموظفين لا يتورع ولسبب تافه عن طرد المراجع أو شتمه أو عرقلة معاملته وتأخيرها وصب كل عقده وضيقه بمشاكله التي تواجهه.

تشعّب طرق المراجعات

نجاح جعفر 59 سنة : فلنعترف إننا نشهد تنظيما لا بأس به للمراجعات ولكنه في الوقت نفسه أكثر تفرعا وتعقيدا ، وعلى سبيل المثال *فيما مضى حين تفقد مستمسكا رسميا تقدم طلبا (عريضة )إلى  قاضي التحقيق فيوعز القاضي إلى مركز الشرطة بتزويدك بكتاب يبلغ جهة الإصدار  بأمر فقدانك المستمسك . وأحيانا تكتفي بكتاب من مركز الشرطة معنون لجهة الإصدار. أما الآن فانك بعد تهميش القاضي على (العريضة )تخضع للتحقيق بالمركز وتُرسل الى خارج المركز لتعود بعدة أوراق مطبوعة وتستنسخ أخرى وتعطيها لمفوض الشرطة يدون عليها التحقيق ( ولا ادري لم تفتقر مراكزنا إلى أوراق وجهاز الاستنساخ ) وترسل ثانية إلى المحكمة وتدفع الرسم المقرر فتمضي أياما قبل أن تزود بالكتاب المطلوب . هذه الإجراءات للحصول على كتاب إلى جهة إصدار مستمسك أما الحصول على مستمسك بدل الضائع فهذه حكاية مختلفة يطول شرحها فكيف بتمشية معاملة بيع عقار أو حصول على حق من حقوقك . ولا اعرف الضرر من اختصار هذه الأوراق المطلوبة والاستعانة بالانترنت والفاكس في المراسلات بين الدوائر .والى متى يظل المواطن يجري ويلهث وراء مثل هذه الأمور التي لا تقدم شيئا .وكل ما تفعله هو الإساءة للمواطن والتقليل من قيمته والمس بكرامته .

 

رسوم بلا وصولات ورشاوى في العلن

ظاهرة لم تألفها دوائرنا من قبل هي كثرة الرسوم .ودون إيصالات ،فما نراه أن بعض الدوائر تطالبك بدفع عدة رسوم دون أن تزودك لقاءها بإيصال وحين تسال لا تجد جوابا شافيا ويدور بخلدك إن مبلغ الرسم يصادره الموظف أما لجهة حزبية أو رسمية .وظاهرة أخرى باتت شائعة ألا وهي الرشوة يطالب بها الموظف علنا دون حياء أو خشية العقاب بينما كانت الرشوة فيما مضى جريمة لا تغتفر عقوبتها الحبس والغرامة والطرد من الوظيفة ،ويندهش المرء من وقاحة الموظف المرتشي ويتساءل هل من المعقول إن أمر هذا النموذج السيئ خاف على الحكومة وما السر في إنها  لا تتخذ معه الإجراءات الصارمة ليكون عبرة لغيره ،سوى إن هناك جهة تسنده تشاركه وتقاسمه بالمال الحرام الذي يبتزه من المواطن .

 

قرارات (خنفشارية) غير مدروسة

زمن جبار 57 سنة معلمة : بعد خدمة تجاوزت 35 عاما طالبتني مديرية التربية التي تنتسب إليها مدرستي بوثيقة تخرجي علما إنني تخرجت من معهد المعلمات بالبصرة وقد احرق المعهد خلال أحداث 2003 كما أحرقت مديرية التربية التي طالبتني بالوثيقة .جلبت من أول مدرسة عينت بها نسخة من ورقتي في دفتر المعلم يذكر فيها تاريخ تعييني ورقم الأمر الإداري وبأنني خريجة معهد ولكن التربية لم تأخذ بها .وما زالت تطالبني بوثيقة تخرجي الصادرة قبل 35 عاما .وأتساءل ما هذا الإصرار وما هذا القرار العجيب الغريب ومن أصدره وهل تمت دراسته بما يكفي قبل إقراره .فهل من المعقول مطالبة موظف أمضى خدمة 35 عاما، رغم معرفتهم بواقع الحال واحتراق الدوائر التي يعتمد عليها في الحصول على الوثيقة .وما اذكره مثال واحد من أمثلة كثيرة على بعض القرارات الصادرة من هذه الجهة أو تلك بشكل غير مدروس ،التي تعد شكلا من أشكال الروتين التعجيزي  الذي تضعه عقبة أمام المواطن .

 

الروتين أزرى بمشاريع الاستثمار

الضوابط والأنظمة التي تضعها الحكومة تبلور أحيانا روتينا مملا يأتي بنتائج عكسية ويضر بالهدف الذي وضعت من اجلها وذلك لجهل واضع هذه الآلية ،وعدم استيعابه بم تعود به من أضرار .وعلى سبيل المثال الشروط والضوابط التي يواجهها المستثمر الأجنبي أو العربي القادم إلى بلدنا ويود إقامة مشاريع تفيد البلد والمجتمع فهو يصطدم بإجراءات ومراجعات ، والحصول على موافقة عدة جهات ،ويكون في كثير من الأحيان ،تضارب التعليمات وتناقضها مع  وزارة وأخرى سببا في فشل المستثمر وعمل كثير من المشاريع الاستثمارية .  وأمر آخر يقف عقبة أمامه لا يعرفه المواطن العادي ألا وهو مطالبات الجهات المسؤولة، بحصتها من أرباح المشروع مقدما . احد الأشخاص  روى لي إن مستثمرا بعد عناء الروتين وكثرة المراجعات والدفع هنا وهناك ، حصل على جميع الموافقات الرسمية لإقامة مشروع استثماري في إحدى المحافظات وما أن بدأ التنفيذ حتى جاءته جماعة تمثل الحزب المتنفذ في المحافظة وطلبت منه دفع ربع الأرباح العائدة من المشروع ولما رفض ، طلبوا منه أن  يدفع لهم ما يعادل أجور ثلاثين عاملا . ولما رفض منعوه من تنفيذ المشروع فاضطر لمغادرة البلد.

المدير في الاجتماع

من منا لم تواجهه أثناء مراجعته، حكاية المدير الغائب الحاضر ذلك الذي دخل الاجتماع من بداية الدوام حتى انتهائه وترك الأمور على الغارب والمراجعين (مشتولين) يترقبون خروج مقامه العالي من الاجتماع على أحر من الجمر.وقد يصادف أن تراجع دائرة في اليوم الفلاني بأمر من موظف لديه معاملتك وحين تدخل غرفته لا تجده وتسمع زميل له يقول لك تعال بعد يومين أو ثلاثة لان الموظف الذي لديه معاملتك مجاز وحين تطلب منه أن يكمل معاملتك بدلا منه يقول لك دولاب المعاملات مقفول والمفتاح عنده .والسؤال هو هل الدائرة ملك للموظف كي يتصرف بهذا الشكل ولم لم يحل موظفا غيره بدلا عنه وتلك الموظفة التي سمعت من زميلاتها بان المتجر الفلاني لديه بضاعة جديدة أو ما شابه فلا تكتفي بمغادرة الدائرة للتسوق بل تأخذ معها مجموعة من الزميلات (علواهس) وتترك المراجع (منقوع) لساعات طويلة أو إن الزملاء الحبايب وفي بداية الدوام ووقت ابتداء عمل الدائرة ، افترشوا المناضد لتناول الفطور، ومن المعيب أو المحرج مقاطعتهم فما على الزاد لا كلام ولا سلام .. (كما يقول المثل )..ويا سلام سلم.دخول المدير الاجتماع وترك الدنيا تنقلب وراءه دون أن يضع من يحل محلة أو زوغانه أو خروجه إلى الوزارة وغياب الموظف أو أخذه إجازة. وزوغان الموظفة ، وتناول الطعام في أوج ساعات العمل، هذه الأمور قاسى ويقاسي منها المواطن وكتب عنها آلاف المرات في الصحف وتحدثت عنها الفضائيات والإذاعات وقدمت بها ملايين الشكاوى وتحدث بها المواطن مع نفسه ومع كل من صادفه بحسرة ..ترى وما الذي حصل .؟ الجواب إن الجهات المختصة لم تحرك ساكنا لحل المشكلة كما لو كانت  بواد وشؤون البلد والمواطن بواد آخر بل في بلد آخر لا تعرفه ولم تسمع به .ومازالت جملة (المدير بالاجتماع أو غادر الدائرة أو ذهب للوزارة ،تتردد بألم ومرارة على شفاه المواطن . 

إعادة تنظيم هيكلية الدوائر

سلام مرعي 65 عاما متقاعد : تعاني دوائرنا الحكومية من الترهل والفوضى وافتقارها إلى الضوابط والأنظمة كما هي بحاجة إلى إلغاء بعض القوانين وسن قوانين والتخلص من الروتين الذي يدفع ثمنه الجميع عرقا وجهدا وأموالا طائلة .كما يحتم على الحكومة إدخال التقنية الحديثة والخبرات المتطورة الى مفاصل دوائرها لاختزال كثير من الخطوات التي لا تقدم بل تقف عقبة بوجه انسيابية عمل الدائرة . فنحن مازلنا نستخدم الدمغة التي كانت تستعمل في العهد العثماني ودفاتر الصادر والوارد وكتابنا وكتابكم .في الوقت الذي يشهد العالم ثورة معلوماتية خطيرة واستخدام الانترنت والموبايل والمودم والفاكس وغيرها من أجهزة التخاطب والتراسل عن طريق الأقمار الصناعية . كما أتمنى أن تعمم تجربة الحكومة الالكترونية التي طبقت على نطاق ضيق في بعض دوائرها في تمشية معاملات المواطنين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تربوي يشيد بامتحان "البكالوريا" ويؤكد: الخطا بطرق وضع الأسئلة

إطلاق سراح "داعشيين" من قبل قسد يوتر الأجواء الأمنية على الحدود العراقية

(المدى) تنشر مخرجات جلسة مجلس الوزراء

الحسم: أغلب الكتل السنية طالبت بتعديل فقرات قانون العفو العام

أسعار صرف الدولار في العراق تلامس الـ150 ألفاً

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram