لا يملك الأردن ترف التفرج على ما يجري في سوريا، رغم إعلانه المتكرر الحياد تجاه طرفي الصراع، ذلك أن معضلة اللاجئين السوريين وحدها تضعه في عين العاصفة، رغم أنه وزن كلماته وقراره وإجراءاته بموازين من ذهب، في التعامل مع الأزمة، بحسب رئيس الحكومة عبدالله النسور، الذي أعلن نيّة التوجه إلى الأمم المتحدة، لشرح المعاناة الناجمة عن استقبال اللاجئين، المتوقع وصول عددهم إلى المليون في نهاية هذا العام.
يتعامل الأردن مع مشكلة اللاجئين، باعتبارها تتجاوز النزاع السياسي، ومن منطلق التزام أخلاقي وديني، وكذلك انصياعاً للقانون الدولي، ولنا أن نستذكر أنه لم يغلق أبوابه في وجه أي مهاجرين، اضطرتهم ظروف بلدهم للنزوح منه، هذا إن تجاوزنا في الحالة السورية، أن الأردن ظل جزءًا من بلاد الشام، حتى سقوط الخلافة العثمانية، وقد كان مدهشاً اللغة التي انطلقت في مجلس النواب حول الموضوع، وهي تتعامل مع اللاجئين، فقط باعتبارهم ﻋﺒﺌﺎً اﻗﺘﺼﺎدياً، متجاهلين كل ما يربط أبناء البلدين، ولا نقول الشعبين.
محاولة بعض النواب الربط بين مطالب الشعب السوري، الساعي للحرية والديمقراطية، والسياسات الخليجية والأميركية، ليست أكثر من ترديد ببغاوي لما تعلنه دمشق عن المؤامرة الخارجية، وهي تسحب البساط من تحت الدور الأردني الإيجابي والمحترم تجاه هذا الملف، وفوق ذلك تستهين بدماء ما يقارب 100 ألف سوري أريقت، ليظل الأسد والذين معه حكاماً لسوريا .
قد يتعذّر البعض، بأن المقصود من إثارة هذه الهمرجة، لفت نظر المجتمع الدولي إلى المعضلة التي نواجهها، لكن المؤكد أن الوسيلة المتبعة جانبها الصواب، حين أنكر بعض نوابنا حق أشقائنا السوريين، بالدفاع عن حقهم في الحرية، وفي النجاة بأرواحهم من المجزرة المتصاعدة في وطنهم، دون تمييز بين المدنيين المسالمين، والثوار ضد النظام الحاكم.
المدهش أن بعض النواب، وفيهم مخضرمون، انتهزوا الفرصة، فشنّوا هجوما على مواقف بعض الدول العربية، التي يجب الاعتراف بأننا لانملك ترف معاداتها، وإن كنا نختلف معها، متجاهلين أن العلاقات المنطقية، تتحدد من منطلق المصلحة الوطنية، دون غيرها، إلاً إن كان مطلوباً منا الخروج من موقف الحياد، والانحياز للنظام السوري بالضد من المطالب المحقة للمواطن السوري.
كان ممكناً الرضا، لو أن نوابنا تبنّوا مقترحات عملية، تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، من قبيل إقامة منطقة محمية داخل الحدود السورية لإيواء اللاجئين، أو الإعلان عن عدد محدود من اللاجئين يمكن للأردن استقبالهم يومياً، بدل التدفق الهائل السائد حالياً، وذلك لضمان عدم الإخلال بالوضع الديمغرافي للبلاد من جهة، والإيفاء بمتطلبات اللاجئين الإنسانية من الجهة الأخرى.
مع كل ذلك لابد من الاعتراف، أنه لم تتبلور لدى الحكومة بعد أية تصورات واضحة، أو خطط عملية، للتعامل مع المعضلة التي تتفاقم يومياً، غير التفكير بعرض المشكلة على الأمم المتحدة، التي يبدو أنها تتعامل مع الموضوع بأذن من طين، وأخرى من عجين، مع أن المفروض أنها كانت تعلم مسبقاً أن تطورات الأزمة السورية، ستطولنا عاجلاً، وليس آجلاً.
من حظ الأردني ونعم الله عليه، أنه لم يجرب مرارة اللجوء، فكيف يكون حاله لو زاد على ذلك سماع من التجأ إليهم يطالبون بإغلاق الأبواب في وجهه، وطرده كما لو كان بعيرا أجرب، والواضح اليوم أن علينا التعايش مع مشكلة اللاجئين السوريين، على المدى الطويل، ذلك أنّه حتّى بسقوط نظام الأسد، فان المرجح هو اندلاع الصراع بين الطوائف والتنظيمات العسكرية المختلفة الميول والمبادئ والأهداف، ما سيدفع بالمزيد من اللاجئين الباحثين عن الأمان، وبما يحتم على كل مسؤول في هذا البلد، وضع الخطط للتعاطي مع هذه المعضلة، بدل المطالبة البائسة بطرهم.