TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تكنولوجيا سومرية في بغداد 21

تكنولوجيا سومرية في بغداد 21

نشر في: 30 مارس, 2013: 09:01 م

لم يُسعفني "العم غوغل" في الوصول الى التاريخ المحدد لظهور المسحاة الى الوجود، وبخاصة في بلاد الرافدين التي لابد أنها من أوائل البلدان التي صُنعت فيها واستعملت المسحاة، ارتباطاً بأنها من أولى مواطن الحضارات في العالم.

كناتج عرضي ظهر لي في الشبكة العنكبوتية ان صناعة المعادن، ومنها صناعة الخنجر، عرفها السومريون منذ ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة. ولا بد ان هذا هو تاريخ ظهور المسحاة أيضاً، فالمنطق يقود الى ان من يفكر بصناعة الخنجر لا بد أن يفكر بصناعة المسحاة، ومن يمكنه طرق الحديد لصنع الخنجر في وسعه أن يصنع المسحاة كذلك.

دوائر المعارف وكتب التاريخ تصنّف الحضارة السومرية على انها من الحضارات التي سادت ثم بادت، لكنني أمتلك الدليل على ان حضارة سومر لم تبد أبداً.. انها متواصلة حتى اليوم، والشاهد على هذا قائم في قلب بغداد.

أمس كنت أمرّ بمنطقة العلوية فشاهدت حفرة بمساحة تزيد عن الفي متر مربع وبعمق يزيد عن ثلاثة أمتار .. الحفرة ليست من مخلفات نيزك ولا ناجمة عن زلزال. من الواضح انها مهيأة لإنشاء مبنى كبير... دائرة حكومية أو فندق أو غيرهما.

بناية بهذه الضخامة، في أي مكان آخر في العالم، لا بد أن يستعان في إقامتها بأحدث التكنولوجيا، إن لم تكن تكنولوجيا القرن الحالي(الحادي والعشرين) المتطورة للغاية، ففي الأقل تكنولوجيا القرن المنصرم أو حتى القرن التاسع عشر، لكنني رأيت أمس أن العمال في هذا الموقع البغدادي يشتغلون بتكنولوجيا العهد السومري الذي يرجع في عمق التاريخ الى ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة. كانت المسحاة حاضرة بالجملة بين أيدي العمال، يحفرون التراب ويرفعونه بالضبط كما كان يفعل عمال السخرة السومريون عندما كانوا يهيئون الأرض لزقورة أو قصر ملكي.

خلال السنوات العشر الماضية لم يشهد العراقيون التغيّر النوعي الكبير في حياتهم الذي توقعوه.. هذا مفهوم، فالعراقيون "راحوا بين الرجلين" في هذه الفترة.. أعني أرجل السياسيين القائمين على السلطة، لكن منذ ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة حتى اليوم تغيّر كل شيء في حياة البشر على نحو خرافي، وبالتأكيد لو قيض للسومريين أن يعودوا الى الحياة الآن لماتوا في الحال من هول ما يرون مما تطورت عليه حياة الإنسان.

لماذا لم يزل العامل العراقي في القرن الحادي والعشرين يعمل بالطريقة نفسها التي كان يعمل بها عامل السخرة السومري قبل 35 قرناً، ممسكاً بالمسحاة بأيد عارية؟

الجواب تجدونه في الفساد المالي والإداري. كيف؟

المبنى الكبير الذي يجري تمهيد الأرض له في علوية بغداد، سواء كان حكومياً أو أهلياً، لا بد ان مناقصته قد أرسيت على مقاول وهمي (لديه شركة مسجلة بالاسم وعلاقات بكبار المسؤولين في الدائرة الحكومية أو جهة القطاع الخاص)، وهذا بدوره أوكل أمر البناء الى مقاول آخر بعدما اقتطع "حصته" البالغة كذا مليون دولار، وهذا عهد بالأمر الى مقاولين ثانويين صغار لا يملكون المكائن والآليات الثقيلة فيستعينون بالعمال المياومين الذين حفظوا لنا تكنولوجيا سومر وأنقذوا الحضارة السومرية من الإبادة! وهذا كله بفضل مقاولينا الذين شعارهم: اضرب واهرب!.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. واثق العاني

    كنا كالزروع شكت محولا..... فلما استمطرت مطرت جرادا

  2. ابو ميلاد

    تحية طيبة لا تنسى يا استاذ عدنان طريقة كنس الشوارع بسعف النخيل ونحن في القرن 21

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram