الرئيسية > أعمدة واراء > لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع

لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع

نشر في: 31 مارس, 2013: 09:01 م

" شكرا لزيارتكم ... إذا شعرتهم بالرضا عن خدماتنا فاخبروا الآخرين ، وإذا لم تشعروا بالرضا فاخبرونا " ، عبارة جميلة ، شاهدتها مكتوبة على لوحة معلقة خلف طاولة الاستقبال بإحدى محال تأجير السيارات ، فاسترعت انتباهي ودفعتني الى التساؤل : ما هو الشعور بالرضا ، وكيف يمكننا أن نقيسه ، وأي نوع من الرضا هذا الذي نبحث عنه ؟

ربما كان الرضا الذي تعنيه اللوحة المعلقة بمحطة خدمة السيارات أكثر أنواع الرضا وضوحا ، لأنه يعني جودة الخدمة وسرعتها ، والمعاملة التي يلقاها الزبون من مقابل الخدمة ، ولكن : هل هناك أنواع أخرى من الرضا اقل وضوحا وأكثر تعقيدا ، علينا أن نبحث عنها ؟

ربما علينا ان نتفق أولا على تعريف للرضا قبل ان نجيب عن السؤال ، فالرضا في اللغة ضد السخط ، وهو في العقيدة مرتبط برضا الخالق عن المخلوق ، وهو في علم النفس سبب رئيسي من أسباب الإحساس بالسعادة والثقة والتفاعل الايجابي مع الحياة .وما دامت السعادة مرتبطة بالرضا فمن الأسئلة المهمة التي تطرح دائما: هل السعادة في امتلاك ما يرضي الإنسان ، ام انها في رضا الإنسان بما يملك ؟

تلك قضية أخرى ذات علاقة وثيقة بالقناعة التي طالما اعتبرها حكماؤنا الأولون كنزا لا يفنى ، والحديث عن الكنوز يجرنا بالتبعية الى الحديث عن علاقة الرضا بالمال ، فالمال في نظر الكثيرين عنصر رئيسي ومهم من عناصر السعادة المرتبطة بالرضا . هنا نتوقف لنفك هذا التداخل بين الحلقات الذي ربما يقودنا الى طرق وعرة ، حيث يرتبط المادي بالمعنوي في عملية معقدة شغلت الناس على اختلاف مشاربهم عصورا طويلة حتى كادوا يفقدون الأمل في الوصول الى اتفاق عليها .

في دراسة أجرتها جامعة " سان فرانسيسكو " بالولايات المتحدة، قام باحثون باختبار تأثير شراء أوقات جميلة ، مثل تناول عشاء في مطعم راق او حضور مسرحية او عرض أوبرا ، وقاموا بمقارنة ذلك مع شراء أشياء عينية جميلة كسيارة فأخرى مثلا ، او فيلا ريفية ساحرة ، او حلي مرصعة بالأحجار الثمينة ، وقد توصلوا الى ان سعادة الإنسان ومن حوله ، تتحقق بشكل اكبر عند استخدام المال في شراء خبرات وذكريات حياتية جميلة أكثر منها عند استخدام المال في شراء أشياء عينية ثمينة وامتلاكها . وقد علل الدكتور " رايان هاويل " احد الباحثين المشاركين في الدراسة ذلك باننا كبشر لا نمل من تكرار تذكر ما حصل لنا من الذكريات السعيدة ، في حين اننا نمل تذكر الأشياء المادية العينية التي حصلنا عليها ، وهو تعليل منطقي ، يؤيده اننا ندرك بالتجربة ان هذه الأشياء سرعان ما تصبح عادية لدينا بعد ان نحصل عليها ، عكس ما كانت عليه قبل اقتنائنا لها ، لذلك نبدأ في البحث عن أشياء أخرى كي نشعر بما نتصور انه الرضا .

" لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع " ، مقولة أخرى من المقولات المرتبطة بالرضا ، تبنى عليها الكثير من أحداث الحياة التي نعيشها او نشارك الآخرين تفاصيلها ، بعض هذه الأحداث تراجيدي الى درجة المأساوية ، وبعضها رومانسي الى درجة الخيال الجامح الذي برع فيه الكتاب والشعراء ، وكان فضاؤهم الذي ينهلون منه إبداعاتهم ، لكننا إذا اخضعنا الوجهين لمنطق الأشياء وجدناهما لا يخرجان عن دائرة الرضا ونقيضه .

ثمة أسئلة كثيرة يطرحها موضوع الرضا ، تقودنا في النهاية الى السؤال الذي طالما طرحناه على أنفسنا : ترى ، لو عاد بنا الزمن الى الوراء ، هل كنا سنختار الحياة نفسها التي عشناها ام كنا سنعيد تخطيط أحداثها على نحو مغاير لما عشناه في حياتنا الأولى كي نحقق الرضا الذي نبحث عنه ، والاهم من ذلك ، هل كنا سنبقى على حياتنا المعدلة لو أتيحت لنا الفرصة مرة أخرى لإدخال لمسات جديدة عليها ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تقارب طهران وواشنطن بوابة لحل أزمات العراق الاقتصادية

النساء يتحدن ضد تعديل الأحوال الشخصية والقضاء يتفاعل والمحكمة تحسم في أيار

عطلة رسمية للمسيحيين في 20 و21 نيسان

الأونروا: مخازننا فارغة والمجاعة تفتك بسكان غزة

كردستان تعطل الدوام غداً احتفالاً برأس السنة الإيزيدية

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: اربيل تقرأ

مرور نصف عقد على رحيل رفعة الجادرجي 10 نيسان 2020

العدالة الدولية تحت المطرقة (الجزء- 2)

العمود الثامن: المتشائل

 علي حسين أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر...
علي حسين

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري 2 بين القتال والهدنةً القصيرة تغيرت الحياة الاجتماعية. لقد قضى الناس أياماً طوالًا في الملاجئ. نساء ورجال حشروا في مكان ضيق. شبان لم يعرفوا السياسة و ما أرادوا أن يعرفوها انفصلوا عن...
زهير الجزائري

اشكالية السياسة والتعصب تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح المفهوم الشائع عند العراقيين بمن فيهم الكثير من المثقفين ، ان المتدينين يكونون متعصبين والمثقفين متحررين وغير متعصبين ، فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر ؟ لنبدأ بتحديد المفهوم...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram