د. أحمد باهظ تقي الحميداويrnبعد مرور عام كامل على بروز الأزمة المالية العالمية أعطت المتغيرات الاقتصادية العالمية خلال الأسابيع القليلة الماضية مؤشرات ايجابية تجسدت في أن هناك تراجعا في سعر الصرف للدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية العالمية رافقها ارتفاع في أسعار النفط العالمية، ولعل تلك المؤشرات قد أنبأتنا بان هناك حالات إفلاس جديدة قد حصلت للعديد من المؤسسات المالية والصناعية والتجارية في الولايات المتحدة وخارجها لتشمل الاقتصاد العالمي برمته. ومن هنا يصبح من الضروري التوقف والتأمل عند هذه المعطيات كي يكون لدينا صورة واضحة عن كيفية تحرك الاقتصاد العالمي بعد خفوت وتراجع ضجيج السياسة حول كيفية مواجهة الأزمة.
rnrnعالمية الأزمة وعالمية الحلrn إن هذه المؤشرات تؤكد حقيقة نجاعة الخطط الاقتصادية وفعاليتها تجاه الأزمة، كما تؤكد حقيقة عالمية الأزمة وعالمية الحل، ومن ثم يمكن القول أن الرأسمالية في عصرنا الراهن تبدو أكثر انسجاما ورشاقة في مواجهة الأزمات الدورية منها أو الكبرى، كما تؤكد حقيقة أن خطط المواجهة للازمات ذات فعالية كبيرة بحيث إنها استطاعت أن تقصر في عمر الأزمة مقارنة بالأزمات السابقة التي امتدت لسنوات طويلة انتهت بحلول دموية ولعل أهمها وأخطرها أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي التي انتهت باشتعال فتيل الحرب العالمية الثانية والتي كانت الأزمة من أهم أسباب نشوبها.rnالدولار صعود اضطراري وهبوط اختياريrn إن المعطيات التي أفرزتها الأسابيع الماضية من خلال انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية تؤكد حقيقة انخفاض الطلب عليه وتوفره في الأسواق ما يعني تضاؤل أزمة السيولة التي عصفت بالأسواق، كما تؤكد حقيقة نجاح الخطط الكلية التي رسمها البنك الفيدرالي الأمريكي من خلال خفض أسعار الفائدة أو إقراض المؤسسات التي شارفت على الإفلاس وتقديم المساعدة والمشورة لها، كما تؤكد نجاح السياسات الاقتصادية التي اقرها كل من الاتحاد الأوروبي واليابان ومساعدة كل من الصين والبلدان النفطية ذات الوفرة المالية.rnالنفط.. دائما هو الأهمrn إن المعطيات أنبأتنا بارتفاع أسعار النفط، والأخبار السعيدة تقول إن النفط قد تجاوز عتبة الواحد والسبعين دولاراً لأول مرة منذ تراجع أسعاره بعد بدء الأزمة، وهذا يعني إن الطلب عليه قد ازداد وهذه الزيادة تعني إن هناك حراكا اقتصاديا صناعيا من شأنه أن يزيد من الطلب على النفط وبالتالي زيادة أسعاره، وإذا ما استمرت حالة التصاعد في أسعار النفط بالصورة الحالية ربما لا نتفاجأ إذا ما وجدنا إن سعر البرميل سيتجاوز عتبة التسعين دولاراً أو يقترب قليلا من المئة قبل نهاية العام الحالي، وهذا بطبيعة الحال ليس رجما بالغيب وإنما هناك مؤشرات تؤكد حقيقة تصاعد أسعار الثروات ومنها النفط والذهب في الأسواق العالمية، ولذلك فان الطلب على النفط إذا ما ازداد بنسبة 10% بالمئة فان أسعاره ستزداد بنسبة اكبر من الزيادة في الطلب، والحقيقة الاقتصادية تؤكد إن هناك دائما تسارعاً في زيادة الأسعار لأية سلعة تفوق الزيادة في طلبها خصوصا إذا ما سادت الأسواق حالة من التفاؤل التام بعكس حالة التفاؤل الحذر التي تسود حاليا وتجعل من أسعار النفط تتقدم خطوتين للأمام وتتراجع خطوة للخلف، وعلينا الانتباه الى إن مستويات الطلب المعلنة الآن في الأسواق العالمية هي ليست مستويات الذروة في الطلب على النفط لكوننا قد دخلنا فصل الصيف الذي يتميز بانخفاض الطلب على الوقود في العالم، ما يؤكد حقيقة التحليل والاستنتاج بتزايد أسعار النفط في نهاية العام الحالي مع اقتراب أو بدء فصل الشتاء.rnالمؤسسات الكبرى.. إعادة هيكلة أم انهيار تام؟rnعندما بدأت الأزمة كانت الانتكاسة الاقتصادية محصورة فقط في القطاع العقاري، ثم مالبثت أن تساقطت نتائجها على القطاعات الأخرى وتحديدا القطاع المالي والمصرفي ثم أصبحت أزمة اقتصادية كلية، وكانت آخر ضحاياها المصانع الكبرى في قطاع السيارات وعلى رأسها شركة جنرال موتورز وكرايسلر اللتان أشهرتا إفلاسهما، هنا التساؤل يدور حول مصير الآلاف من المؤسسات المنهارة منها المالية والعقارية الصناعية؟ rnيلاحظ أن الحكومات الرأسمالية في الدول التي عصفت بها الأزمة وعلى رأسها الولايات المتحدة قد اتخذت مسارات متعددة في موقفها من هذه المؤسسات، فبين خطط الإنقاذ المتمثلة بتقديم المساعدات والقروض وبين شراء أسهم الشركات والمؤسسات التي أشهرت إفلاسها أو ترك هذه المؤسسات لتكون ضحية لهذه الأزمة، ومن ثم إعادة هيكلة هذه المؤسسات من خلال الاندماج أو الانهيار التام كانت الخيارات المتاحة أمام حكومات الأزمة، وبالرغم من الانعكاسات السلبية الخطيرة على المجتمع في الاقتصادات الرأسمالية إلا أن الخطط برمتها لم تخرج عن هذا الإطار فلا غرابة أن يجد الملايين من مالكي الوحدات السكنية في الولايات المتحدة الأمريكية أنفسهم من دون مأوى، ولكن تأكيدا على حقيقة فعالية الخطط التي وضعت للمواجهة فأن تلك الخطط والسياسات أخذت إلى حد كبير بنظر الاعتبار الآثار السلبية الخطيرة على المجتمع من خلال تقديم المعونات والمساعدات للطبقات الفقيرة والى الذين فقدوا وظائفهم من جراء الأزمة ولعل هذا هو الذي بشر به فؤاد مرسي قبل نحو ثمانية عشر عاماً من أن الرأسمالية قد جددت نفسها في مواجهة الأزمات، وبعد مضي ذلك الوقت نجد إن الرأسمالية اليوم تجدد نفسها أمام اكبر واخطر أزمة في تاريخها ولكنها بالتأكيد استطاعت المواجهة بالشكل الذي لم يؤد بها إلى الانهيار التام.rnالصين: صعود عالمي في ظل أزمة خطرةr
عالم ما بعد الأزمة الاقتصادية
نشر في: 18 سبتمبر, 2009: 05:10 م