الحكايات الشعبية التي يسردها كبار السن فاتنة. فاتنة لأنها تتضمن الكثير من الدلالات التي يكشف تحليلها على طبيعة العقل الذي نسجها وسردها، بالإضافة إلى فتنة الفكاهة أو العمق أو الحزن التي تتضمنها.
أتذكر في هذا الصدد الكثير من الحكايات، منها مثلاً حكاية كيس الدقيق التي تقول: إن فلاحاً ذهب لشراء بعض الدقيق لعائلته، بعد أن تركها بلا طعام، وكانوا يعانون من الجوع بسبب شح المطر، وبعد أن اشترى الدقيق لم يكن معه غير كيس مثقوب من القماش وضع فيه الدقيق بعد أن عقد الثقب الموجود فيه، وعاد إلى عائلته. وكان، وهو في الطريق، يحدّث نفسه عن أسباب الجفاف ويناجي ربه مردداً: (يا ربي حل عكدتها)، وهو يقصد أن يَحُل الله عقدة السماء من أجل أن تُمطر. وبقي يردد هذه الجملة إلى أن شعر بأن كيس الدقيق أصبح خفيفاً، ولما انزله من على ظهره تبين له بأن العقدة محلولة والكيس فارغ، فرفع رأسه إلى السماء وصاح بأعلى صوته (يا ربي آني صحيح كتلك حل العكدة بس قصدي عكدة السماء مو عكدة الكيس)!!
وهناك حكاية تتضمن نفس الدلالة التي اريد ان أصل لها في نهاية المقال، هذه الحكاية عن فلاح فقير اشترى يوماً نعجة وطلب من احد الرعاة ان يأخذها معه لترعى ضمن قطيعه، لكن الراعي عاد في مساء ذلك اليوم، وهو خجل، ليخبره بان نعجته (انطحلت) وماتت، فما كان من صاحبنا إلا أن أخرج رأسه من كوة في صريفته ورفع رأسه قائلاً: (النعجة اتروح فدوة الك يا ربي، بس اريد اعرف اشلون كدرت تعرفها من بين النعاج واتموتها هيه بالذات من بين بقية القطيع، مو حتى آني صاحبها ما اعرفها).
هذه الحكاية وسابقتها تُروى في مجالس كبار السن للتندر والضحك، وهي فعالية تكشف عن ثقافة باتت غائبة في مجتمعنا الآن، هي ثقافة التعامل التلقائي مع الرب، فالحكايات الشعبية تسرد واقع ثقافاتها، وهذه الحكايات تتحدث عن ثقافة يكون الرب فيها أشبه بالصديق، فحتى الاعتراض عليه ينطلق من قلب مازح. في هذه الثقافة لا يَحْضُر الرعب داخل العلاقة بين الرب والمربوب، بين الله والإنسان. الحكايتان تسردان واقعاً ريفياً حيث يعيش إنسان نعتقد بأنه بسيط ونترفع عليه في بعض الأحيان، لكن يبدو أن ذلك الإنسان خال من العقد التي شوهت الكثير من ملامح وعينا، ومن هذه الملامح طبيعة علاقتنا بالرب، وهي علاقة تشوهت لدرجة أخرجت الرب من كونه صديقا إلى كونه عدواً.
عقدة كيس الدقيق؟!
[post-views]
نشر في: 2 إبريل, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 2
رضا الشاعر
وهو أقرب اليكم من حبل الوريد
عبد الرحمن الجبوري
كنت على التليفون مع صديق يسكن في استراليا وهو من اشد الناس تديننا. ويملك مزرعه في استراليا وقد اتت رياح عاتيه الاسبوع الماضي واقتلعت اشجار التفاح في مزرعته وتساقطت الثمار وقد مني بخساره كبيره. فكان رد فعله بان ذهب الى الاشجار الباقيه وقرر هزها لتتساقط منه