بعد ساعات من التحقيق المثير للغثيان، تم إخلاء سبيل مقدم البرنامج التلفزيوني " البرنامج "، الساخر المصري باسم يوسف، المتهم بالإساءة إلى الرئيس الإخواني محمد مرسي، وازدراء الأديان، لقاء كفالة قدرها حوالي 2500 دولار، وكان أمر قضائي قد صدر بضبط يوسف وجلبه مخفوراً، للتحقيق معه بالتهمتين المنسوبتين إليه، لكنه سارع قبل وصول رجال الضبطية العدلية فذهب بنفسه إلى مكتب النائب العام، مواصلاً أسلوبه الساخر، بارتدائه قبعةً ضخمةً كالتي اعتمرها مرسي وهو يتسلم شهادة دكتوراه فخرية في باكستان، ليفاجأ بالمئات من المصريين الذين سبقوه إلى المكان، لتأييده والتعاطف معه.
المتبرع باتهام يوسف، وهو طبيب قلب جراح، مارس العمل الإعلامي حديثاً، وأصاب فيه نجاحاً باهراً، اتهمه بإهانة مرسي، والتطاول عليه، والتقليل من شأنه في الداخل والخارج، والتشكيك في أعماله، وتزوير صوره وتركيبها للسخرية منه، مطالباً النائب العام باتخاذ الإجراءات اللازمة ضده، لتطاوله على رموز الإسلام في مصر، ومرسي على رأسهم، وهي تهم فضفاضة أنكرها يوسف، قائلاً إنه يتناول القضايا السياسية بشكل كوميدي ساخر، وأنه لا يتعدى على الحقوق الشخصية، وأنه يقوم بالتنويه عن طبيعة البرنامج قبل كل حلقة.لم تمر الحادثة في مصر المتنورة مرور الكرام، فقد اعتبرها عمرو موسى، إثارة للمصريين المعروفين بحبهم لكل ما هو طريف، مؤكداً أنه ليس في نقد الرئيس ما يُشين، واحترام الرئيس لا يقلل من الخلاف مع سياساته كلها أو بعضها، أو وضع النقد في قالب خفيف، هذه عملية تضع الرئيس في قالب إنساني، وهذا جزء من شخصية مصر، في حين قال منتصر الزيات محامي الإخوان المسلمين، إن يوسف يمارس إعلامًا نظيفًا، بعيدًا عن العنصرية، وأكد الدكتور محمد البرادعي أن إحالة يوسف إلى التحقيق هو استمرار لممارسات قبيحة تحاول إجهاض الثورة، وأبدى الدكتور علاء الأسواني، الروائي والأديب، تضامنه مع الإعلامي الساخر ضد محاكم التفتيش الإخوانية، ودعاه لعدم المثول أمام النائب العام، لعدم شرعيته، واستنكرت الجمعية الوطنية للتغيير القرار، باعتباره عدواناً سافراً على حرية التعبير، ويعود إلى عهود القمع والاستبداد.
الصحافة العالمية، كما لم يتوقع جهابذة الإخوان، الضيقو الصدور، وجدت الفرصة لنعي فكرة الحرية في مصر، وقالت الواشنطن بوست إن القرار خطوة تهدف لإسكات معارضة مرسي من خلال حملة موسعة ضدهم، وأشارت النيويورك تايمز إلى أن هذا القرار هو خطوة تؤكد تحرك حكومة الإسلاميين بقوة "لخنق" حرية التعبير، ولفتت فضائية البي بي سي أن هذا يسلط الضوء على المخاوف بشأن حالة الحريات الصحفية في مصر، واعتبرت الفايننشال تايمز البريطانية، أن هذه الخطوة تؤكد على الصدام الثقافي بين الإسلاميين المحافظين وأغلبية النشطاء الليبراليين، الذين قادوا الثورة التي أطاحت الحاكم المستبد، ومهدوا الطريق لانتصارات الإسلاميين الانتخابية، وعلقت صحيفة حريات التركية قائلة، إن ارتفاع عدد الشكاوى القانونية ضد الصحفيين، يزيد من الشكوك حول التزام مرسي بحرية التعبير، الذي يعتبر مطلباً رئيسياً للثورة التي أطاحت مبارك.
لا يعني رفضنا للشكوى والتحقيق مع الإعلامي الساخر باسم يوسف، أننا مع أسلوبه في النقد بقدر دفاعنا عن حريته في التعبير، وهي قضية شاء لها متبنوها أن تكون قانونية، لكنها في واقع الأمر تؤكد ضيق أفق القائمين بها، وتؤكد ظن الإخوان المسلمين بأنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة، وأنهم فوق النقد والاختلاف لأنهم ظل الله في الأرض، ولعل هذا واحد من أخطائهم التي ستدفعهم مجدداً إلى الظل، حيث موقعهم الحقيقي.