بسرعة لم تكن متوقعة، وبعد تدخل سعودي ضاغط، تم التوافق على تكليف النائب تمام سلام، بتشكيل حكومة لبنانية، تخلف حكومة ميقاتي، ولم يكن غريباً رضوخ النائب المشاغب ميشال عون لرأي الأكثرية، مع أنه كان يفضل مقاطعة الاستشارات، ليتأكد أن الخيار الآن هو الوحدة الوطنية والاستقرار في لبنان، بالطبع هذا الموقف جاء بعد انحياز وليد جنبلاط لتيار المستقبل، وبعد تأييد رئيس مجلس النواب نبيه بري، لترشيح النائب البيروتي المعتدل، والمنحدر من بيت سياسي عريق، كان منه والده صائب سلام رئيساً للوزراء أكثر من مرة، وهو صاحب المقولة الشهيرة في الحرب الأهلية، " لاغالب ولا مغلوب".
يرى الكثير من السياسيين في تكليف سلام برئاسة حكومة وفاقية وطنية، فرصة لإعادة الصفاء إلى جميع اللبنانيين، واصفين الرجل بالملتزم وطنياً وأخلاقياً، ولكونه يؤمن حقاً بمنطق العبور إلى الدولة، واحترام الدستور والمؤسسات والميثاق الوطني، وأنه إذا لم يتم التوافق على شخص سلام، لن يكون هناك توافق على اسم أي شخص آخر، ويستبعد البعض تشكيل حكومة وفاق وطني، لأن المهمة الأساس لحكومة سلام، هي إجراء الانتخابات النيابية، وفي ذلك تلبية لمطالب فريق 14 آذار، في حين أن فريق 8 آذار يريدها حكومة وحدة وطنية.
جاء تكليف سلام ليؤكد مجدداً أن جنبلاط يستحق لقب صانع الملوك، وليؤكد أيضاً أن الأمر تم بهذه السرعة، نتيجة عامل خارجي مسرّع، تمثل بالجهد السعودي، الذي كشف عنه جنبلاط قائلاً، إن لبنان كان متروكًا لعامين بلا راع إقليمي، والسعودية اليوم هي هذا الراعي، والمؤكد أن الرياض لعبت دوراً مركزياً في إعادة الزعامة لسنّة لبنان إلى بيوت بيروت السياسية ، متخلية عن خيار اللواء أشرف ريفي، الذي كان خيار الحريري، لقدرته على ضبط الأوضاع، وعلاقاته الأمنية المتشعبة، في مرحلة يحتاج فيها لبنان إلى كل أشكال الاتصالات لتأمين استقراره، خصوصاً والبلد مقبل على انتخابات نيابية مثيرة للجدل، لجهة على أي القوانين يتم إجراؤها.
سلام كان حريصاً حتى قبل تكليفه، وقبل سفره إلى السعودية، على فتح قنوات مع الرئيس نبيه بري وحزب الله، وهو عند جماعة 8 آذار ليس شخصية قتالية أو صدامية، وليس منفـِّراً، والمشكلة ليست في شخصه، بل في مصدر تسميته لرئاسة الحكومة، غير أن الضامن حتى إشعار آخر، هو وليد جنبلاط، برفعه سقف حكومة الوحدة الوطنية، التي يستحسن مشاركة حزب الله فيها، لتثبيت معادلة الاستقرار في لبنان، ومن ضمنها النأي بالنفس عن الأزمة السورية، وذلك مطلب سعودي بامتياز، أيّده جنبلاط بقوة، برفضه المشاركة في حكومة من لون واحد، وتأكيده أنه مع حكومة ائتلاف وطني، يشارك فيها الجميع.
سلام قطع الطريق على ميقاتي، الذي اشترط لعودته على رأس "حكومة إنقاذية"، أن تتوافر له النسبة الأكبر والأوفر، من إجماع كافة الأطراف، وهو ما حظي به النائب سلام، الذي كشف مبكراً عن عزوفه الترشح للانتخابات النيابية، بعكس ميقاتي، الذي أصر على الجمع بين النيابة والرئاسة، فخسر الثانية، رغم قوله إنه استقال إيماناً بضرورة كسر الجمود في الحركة السياسية، وأنه يطمح لفتح كل الأبواب أمام عودة التلاقي بين كل الفرقاء السياسيين، لتحقيق صحوة وطنية شاملة، تواجه المخاطر التي تهدّد لبنان وتبعده عن حافة الهاوية.
مع أن سلام اعتبر أن تسميته مسؤولية كبيرة، في مواجهة استحقاق الانتخابات، فإن المخاوف تكمن في قدرته على تشكيل حكومة، ترضي طرفي المعادلة، فحزب الله يتمسك بحكومة سياسية، يملك فيها مع مناصريه الثلث المعطل، ويطالب ببيان وزاري يغطي سلاح الحزب، في حين يرى تيار المستقبل أن هناك معادلات سياسية جديدة، تتحكم بالوضعين الإقليمي والداخلي، وتعتبر مناقضة لتلك التي أطاحت حكومة الحريري، وأتت بميقاتي، ولعل الرئيس بري هو أكثر من أدرك ذلك، ناصحاً حزب الله بفرملة اندفاعة حلفائه، وعدم التوغل في سياسة التحدي والاستفزاز، ويبدو أن الحزب قبل النصيحة.
تمام سلام ..التوافق السريع
[post-views]
نشر في: 6 إبريل, 2013: 09:01 م