TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لماذا نحن جبناء؟

لماذا نحن جبناء؟

نشر في: 6 إبريل, 2013: 09:01 م

مطلوب منا جميعاً أن نصبح جبناء، وأن نمارس فضيلة الخوف.. مطلوب منك ومني  أن نحمل لقب مواطن "ذليل"  بامتياز،  مطلوب منا أن نراقب أصحابنا ليل نهار، وأن نتحول في لمحة بصر الى مخبر سري، مهمته تنظيف البلاد من الذين يرفضون الانصياع لأوامر الرجل "الخارق"، مطلوب منك أن تؤمن أن أصحاب السلطان يريدون حمايتك من الرذيلة، والحفاظ عليك من شرور الأعداء، و"أكاذيب" الإعلام، ومطلوب مني أن لا اغادر مرحلة وصايا القائد التي لها الفضل في صياغة القيم  التي علينا الإيمان  بها، مطلوب منا جميعاً أن ننمي  غريزة التقرب الى أولي النعم والعطايا،

عليك أن تخاف من كل الذين حولك، والأهم أن تتخندق ضد الأعداء أصحاب الأجندات الخارجية.. عليك أن تخاف من أصحاب الرأي، ومن المنادين بدولة المؤسسات، ومن الداعين الى إشاعة العدالة الاجتماعية، وعندما تكتمل دائرة الخوف هذه، ستجد نفسك تلجأ الى حضن أصحاب السلطة طائعاً، مستسلماً طالباً العفو والأمان.

أصحاب نظرية " لتبقوا جبناء "  مصرون على استبدال تمثال سقط صبيحة 9/4/2003، بتماثيل ونصب جديدة، لقد كان الجميع يعتقد أن عصر القائد الضرورة قد ولى إلى غير رجعة فإذا نحن اليوم أمام عصر "الحجاج  الضرورة"، اكتب هذه الكلمات وأنا أتابع ردود الأفعال  تجاه ما حصل لعدد من الصحف من اعتداءات وحشية، فالبعض آثر الصمت وآخرون  اعتقدوا أن الأمر مجرد " قرصة  أذن"، فيما وجدنا من شكروا الله وحمدوه لأن العاصفة لم تمر من أمامهم، طبعا أتفهم حجم الضغوط التي يتعرض لها العديد من الإعلاميين وأصحاب الرأي، الحرب ضدهم شرسة، والابتزاز وصل إلى أقصى مراحله، ناهيك عن الترويع والتهديد، لكن تفهمي هذا لا يعني أبداً أنني يمكن أن أقبل ظاهرة " الصمت الخجول "  التي يصر بعضهم على ممارستها  في هذه اللحظة العصيبة والصعبة، الذين يعتقدون بأن سلامتهم الفردية أهم من سلامة زملاء لهم إنما  يضحون بأنفسهم وبمستقبل مهنتهم،، الذين يؤمنون  بفكرة عليهم  أن يدافعوا عنها بكل الوسائل والسبل،  الصمت على ما جرى  مع الصحف  هو نوع من الاعتراف بضعف القدرة، وعدم احترام لثقة القارئ التي  منحها لمطبوعه، الصمت لن  يعطينا صكاً  بالنجاة من مخطط تدجين الإعلام، المواقف لا تكون مواقف إلا في لحظات الاختبار الحقيقية.. ولا تكتسب مصداقيتها إلا في أوقات التحديات.. هذا وقت عصيب. إذا سعى كل منا لكي يحمي نفسه، فإنما يحمي مصالح الفاسدين والانتهازيين وسارقي الفرح من عيون العراقيين.

اليوم وبعد الفشل السياسي الذي يخيم على كل الجهات، لم يجد البعض  أسهل من العودة إلى اللعبة السهلة.. لعبة نشر الخوف، فمن السهل أن تحكم شخصا إذا استطعت تسريب الخوف إليه..أو تشعره بأنه  مطارد، ولابد من حمايته من أشباح تظهر في منتصف النهار، فرض  الخوف على الناس  أول طريق الاستبداد، وهذا ما ورثه مسؤولينا من نظام " القائد الضرورة  " الذي يسيرون على أدق خطواته.

وأنا أتابع ردود أفعال صحافتنا ووسائل الإعلام على ما جرى خلال الأيام الماضية تذكرت قصة للكاتب عزيز ينسين وفيها ندخل معه عالم شبيه بما يجري في بلادنا "ذات يوم في دولة ما، صرخ رجل بأعلى صوته قائلا: يا إلهي  لقد دخل خازوق بي، البعض قال ولكن ما دخلي أنا بخازوق غيري، ومع مرور الأيام  ازداد عدد الذين يصرخون  "لقد دخل خازوق بي" بداية كانت الخوازيق تدخل في أشخاص من عامة الناس، وبعد ذلك بدأت الاستغاثات من شخصيات رفيعة في الدولة، وبعد فترة من الزمن راح الوزراء الذين لم يكونوا يصدقون بحكاية الخوازيق التي تدخل بغيرهم يطلقون أصوات الاستغاثة، ولم يبق رجل في الدولة لم يذق طعم الخازوق، باستثناء الملك وحاشيته".

حالنا اليوم لا تختلف عما جرى في قصة  ينسين، حيث لاتزال الخوازيق تتعدد ولا أحد يعير لها الاهتمام، كثيراً ما فكرت ومنذ زمن بعيد  بوضع المثقف العراقي وتساءلت أي نوع من المثقفين نحن؟ فاكتشفت للأسف أننا لا نملك سوى أصوات خائفة ومستغيثة، لا تخرج إلا بعد أن ينتهي كل شيء ويقع الفاس بالراس ويكون الذي ضرب  ضرب، والذي هرب هرب.. بصراحة وإن كانت قاسية نحن "جبناء ".

لقد عشنا من قبل ظاهرة تعذيب ومطاردة المتظاهرين واليوم نعيش سيناريو "غزوة الإعلام"، ونشر نظرية الخوف التي سيتم من خلالها تدجين الجميع واقتيادهم، وبناء جمهورية رعب جديدة على أنقاض جمهورية الخوف التي ظن الناس جميعاً أن ستار النهاية أسدل عليها. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 9

  1. المدقق

    بالفعل انتم جبناء لانكم لا تقولون الحقيقة وتلقون باللوم كله على المالكي رغم معرفتكم بان من قام بالاعتداء على الصحف هم انصار المرجع الحسني الصرخي .. لكنكم تخشون ان يحصل لكم ما حصل لغيركم لذلك اتهمتم المالكي لانكم تعرفون انه ارفع من ان يلتفت الى اشخاص مثلكم

  2. amal

    عزيزي الكاتب صباح الخير. أنطباعك حول أستراتيجية تفكير المثقف صحيح, وهذا له علاقة بالتربية. وناتج عن وضع المرأة وبالتالي الأم في المجتمع. هنا في الدول الغربية حيث يقاس من طريقة التفاعل مع البيئة, وأستراجية الحلول, تطور الطفل وقدرته على النجاح في الحياة ال

  3. الموج الهادر

    الرجل الخارق .... قال لكم (( كل من دخل دار مؤيد اللامي فهو امن )) ان اردتم امان الرجل الخارق فبابه مفتوح وسيعطيكم قطعة ارض سكنية وايباد مغشوش صيني المنشأ ... وان اردتم ان تبقون كباراً في نظره ونظر جلاوزته ونظر من يقرأ لكم فأبقو صامدين على موقفكم ...ودعو

  4. ازل السياب

    احييك سيدي على كل حرف كتبته ..قرأت ألمك وحزنك على وضعنا وحالنا ... فعلا ماقلت نحن جبناء جميعنا تعود على الصمت خوفا وتطبع على ذلك ودخل كل واحد منا قمقمه الذي يخشى ان يفارقه ... الجيل الحالي جبان لكن الجيل القادم اكثر جبنا وبؤسا مع كل الاسف .. مقالك احزنني

  5. Ahmah

    جذاب.....جذاب. نوري المالكي......جذاب

  6. mna

    sir I read many of your articles and you are right and i agree with your thinking, most people are busy with their life and trying to earn money for their family, unfortunately, in iraq everyone interpret the constitution based on their need, just like pe

  7. ام احمد

    بالفعل الجبن فد تغلغل منذ امد بعيد و..واسفاه انك اليوم اكتشفت هذه الحقيقه المره

  8. كاطع جواد

    هنالك سلاحان الاول الأسرع فتكا وهو سلاح البلطجة والترويع والترهيب وهو سلاح الجبناء والسلاح الأشد فتكا والاكثر إيلامنا هو سلاح الكلمة الحرة والصادقة الكلمة المدافعة عن حق الانسان بحياة حرة وكريمة فلا تخشى يا سيدي هؤلاء الجبناء .. فانت وكل اصحاب الكلمة ال

  9. عبد القادر

    • الطائفية بين المذاهب تسللت داخل المذهب الواحد وصارت سبب لانقسام وتشرذم المذهب نفسه.متى سنجتمع ،والبعض خوفه انهو يخشى العار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram