TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ١٠ سنوات: حذاء الصنم؟

١٠ سنوات: حذاء الصنم؟

نشر في: 8 إبريل, 2013: 08:01 م

قبل ١٠ سنوات، كنا في مثل هذا اليوم نشهد واحداً من أغرب أيامنا، وبرغم أن كثيرين (مثلي) عاشوا أسعد لحظاتهم مع سقوط صدام كبربري خرّب كل شيء، فإننا جميعاً شعرنا بالقلق من المستقبل. قلقنا كان مشروعاً، وسعادتنا مشروعة!

لم يكن هناك طريق متيسر للخلاص من البربرية سوى أن نجرب ونستوعب بربرية التحرر والتعدد السياسي والاجتماعي، وأن ننفضح أمام أنفسنا، ونقف أمام المرآة بشجاعة، لنحدد بقع الوسخ  على وجوهنا كأمة، ونحاول إزالتها.

كثير من العراقيين يقلبون اليوم أرشيفهم صوراً ومدونات وذكريات، لاسترجاع ما حصل قبل ١٠ حجج. أنا انشغلت باستذكار أول مقال نشرته في العراق (وكان في العدد ٦ من جريدة المدى ٢٠٠٣). أقرأ ذلك المقال وأتذكر أننا شعرنا بأن سيد الدمار قد رحل، وأننا سنشيّع آخر موتانا بعد آخر الهزائم. وفي اللحظة نفسها كنا نحاول كتابة قلقنا مما سيحصل حين نقف عراة أمام مرايا التاريخ، ونعود فطريين لم تكن لدينا فرصة كافية للاستعداد لهذه اللحظة.

وخلاصة ما كتبت يومذاك، وكتبه أو قاله غيري، إن الدكتاتور رحل، لكن القواعد الاجتماعية والنسق القيمي والأخلاقي الذي ساعد على ظهور سياسة بربرية، لم ترحل ويمكن أن تنتج أخطاء قاتلة. القلق تحقق عبر سنوات مؤلمة. الكاتب البريطاني ديفيد بلير يسألني عن يأس يخيم على الذكرى العاشرة، وأنا أقول له كما في التقرير المنشور بالديلي تليغراف: كأمة مسحوقة ومقموعة، لم يكن أمامنا خيار للخلاص، سوى أن نقبل أخطاء أميركا وأخطاءنا التي صاحبت إسقاط صدام. لكن لحظة أن نخطئ لم تعد مهمة كثيراً إلا بقدر أن نفهمها، لكي ينضج مسعى التصحيح، وهو مسعى قائم كما أزعم.

أستاذنا عدنان حسين يستذكر ٩ نيسان ٢٠٠٣ على طريقته. يقول: في تلك اللحظة قررنا وضع صورة كبيرة لسقوط تمثال الدكتاتور الشهير تحتل الصفحة الأولى من جريدة الشرق الأوسط (حيث كان يعمل) مع عبارة: سقط نظام صدام.

يسأل: ماذا سنضع على صفحتنا الأولى اليوم؟ لقد كان يتأمل صورة حديثة لقاعدة تمثال صدام، ويلمح أن حذاء الدكتاتور بقي ملتصقاً بالقاعدة وسط ساحة الفردوس، ويجد فيها رمزاً على أن صدام ترك قدمه (أو حذاءه) في قلب بغداد. ولذلك فإن شهية الاستبداد بقيت هنا. وهذا أمر لا يعانيه العراق بمفرده، فالذكرى العاشرة تمر وسط انفلات ربيع العرب.

ولكن استيعاب فكرة أن صدام ترك حذاءه في قلب بغداد، يجب أن لا تستخدم للترحم على مسدس الدكتاتور. برغم أنه أمر قد يتلفظ به عراقيون مخلصون في لحظة يأس، ونحن نقول أشياء كثيرة في لحظة اليأس.

إنني وأنا اقرأ قلقي كتجربة شخصية، مكتوباً في نسخة قديمة من "المدى"، أشعر بأن عراقيين شجعاناً وأذكياء استوعبوا خلال هذه السنوات دروساً عدّة. وطبعاً فان هناك دروساً أخرى نحاول استيعابها. أشعر كذلك بأننا نمتلك حياة دستورية وبرلمانية يجري تنضيجها عبر لعبة شطرنج تتقدم. أشعر كذلك أننا منعنا ظهور دكتاتور جديد بعد سنة وثلاثة شهور على انسحاب أميركا. وأن محاولات "السلطان" إعلان نفسه سلطاناً، باءت بالفشل. كما باءت بالفشل محاولته إشعال نزاع عند سفوح حمرين، أو على شاطئ الفرات الأعلى. الزرقاوي والقاعدة يفشلون أيضاً. وهذا معناه أننا على طريق إنضاج تعدد سياسي سيكون مدخلاً للديمقراطية.

إننا منزعجون من انكشاف عورتنا خلال ١٠ سنين. لكننا بدأنا نحاول أن نتعلم كيف نخيط رداء يسترها. الرداء اللائق لم يكتمل إلا أنه قيد الخياطة. نحن نرتكب أخطاء في تصميم أكمامه وأزراره، لكننا مصممون على التعلم. كثيرون يحاولون خداعنا بيد أننا ندرك أن لا خيار سوى إكمال خياطة رداء بمقاس القرن ٢١. ولا رجوع عن هذا، لأن بديله هو أن نعود عراة في قبر يديره صنم آخر.

"خياطة التاريخ" مهنة بطيئة مثل التاريخ نفسه، لا تتفهم استعجالنا ولا شعورنا بالذعر. التاريخ ليس مذعوراً، بل يمتلك أقسى القلوب، لكنه سخي يضع أمامنا فرصة أن لا نعود بأجساد عارية أمام رغبة رجل واحد يريد إفراغ نزواته على جسد الأمة. ومن أجل هذا، مات كثير من الشجعان والأبرياء. ومن أجل هذا، أنا وأنتم قد نموت ألف مرة كي نحتفظ بحلم يمكن تحقيقه، ونستأصل ما تبقى من المستبد (حذاءه) في عقولنا ومشاعرنا وخياراتنا.

الرحمة للراحلين في كل الحروب، والرحمة لنا أيضاً كخائفين من موت آخر. إن الحياة الحقيقية هي رفضنا أي عودة الى الوراء. وفي وسع كل "سلطان" أن يدرك ذلك، هل يدرك؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 7

  1. مواطن

    الأخ الكاتب مع أعتزازي مهووس في التأريخ وتباطؤه هل نحن غير شعوب العالم ننتظر القرون لكي نساوي نصف ما تساويه الشعوب الاخرى؟ ماهذا الامل الذي ننشده!!؟؟

  2. رمزي الحيدر

    سطور جميلة تليق بهذه الكارثة التي حلت بنا !.

  3. ابو رهف

    استاذ سرمد العزيز هذه الامنيات لا تجد مكانها في العراق لأن العراق وعلى مر العصور أرض خصبة وثرية لانتاج الدكتاتورية فبعد ان انتهى الحصاد بدأ موسم زرع المحصول

  4. علاء البياتي

    السيد سرمد ..رسالتي لك والى السيد عدنان حسين ..ان كلا المقالين يندرج تحت كلمة باطل يراد بها حق...لستم انتم وما تسمون انفسكم معارضة الامس من اسقط الديكتاتور ..انتم لم تكونوا محررين بل كنتم خونة للشعب عاونتم المحتل على تدمير بلدكم واحتلاله بحجة واهية هي اسق

  5. سالم سليم

    السيد علاء البياتي -- شكرا واحسنت

  6. كاطع جواد

    لا يوجد اي ربط بين الوطن وصدام حسين فصدام هو العدو الاول للعراق ، كل من يصدق ان صدام حسين كان يحب وطنه هو كاذب ومنافق ، الوطن ليس اغنية او شعار يتمشدق بهاصدام واعوانه ، الوطن هو الناس الطيبة هو الفقراء الذين لا يعرفوا الكذب ، فلا قيمة للتراب اذا سحق الشعب

  7. د جابر الطرفي

    الاخ العزيز الاستاذ سرمد ان مشكلة العراق هي ليست متعلقه بدكتاتور العراق ولا بالذين جائوا من بعده بل المشكله هي كيف يرقى بهذا الشعب ليعرف قيمة نفسه ويحدد اولوياته حتى يتمكن من جمع ادواته المطلوب جمعها لينئى بنفسه دون من يحكمه وكأن استورثهم ال اخر الدهر

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram