TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خياراتي مع صدام

خياراتي مع صدام

نشر في: 9 إبريل, 2013: 09:01 م

كان خياري الأول مع صدام منتصف الثمانينيات صادماً، فقبل أن أبلغ السابعة عشر من عمري، تم اعتقالي من مدرستي بتهمة الانتماء لحزب الدعوة، وبيني وبينكم كنت قد انتميت لهذا الحزب فعلاً، بل كانت الخلية التي نظمتها بهذا السن هي الأكبر من بين الخلايا التابعة لهذا الحزب في مدينتي . وهناك، في مديرية أمن المنصور، وبين غرف الاحتجاز ومكاتب التحقيق، أحرقت مرحلة المراهقة التي لم تستنفد أغراضها معي، واكتشفت حينها بأن أفضل الخيارات المتاحة أمامي هو القبول بالإعدام، ورفض جميع محاولات ضابط الأمن مساومتي من أجل تخفيف عقوبتي.
الخيار الثاني كان مكلفاً، وهو خيار الجيش، المهرب الذي فضلت اللجوء إليه من محاولات رجال الأمن ابتزازي بتهمة الانتماء لحزب الدعوة، من أجل إجباري على التعاون معهم، وفعلاً سربني الجيش من مخالبهم، لكنه هدم في داخلي جميع طموحات وخطط الطالب المتميز بحياة متميزة، واكتشف في أول دخول لي إلى ملجأ عسكري، أن أفضل الخيارات المتاحة أمامي هي أن أكون جندياً في جيش لا أمت لأهدافه ولا لأغراضه بأي صلة.
كان الخيار الثالث محيراً، فقد اخترت خلاله أن أهرب من "جيش صدام" لألتحق بصفوف الانتفاضة الشعبانية، وعندما وصلت بغداد وجدتها منهارة، ووجدت أخي الأكبر يتحدث عن موت الانتفاضة، وهنا ذقت الهزيمة المرة، وعرفت بأن أفضل خياراتي هي أن أعود نادماً لجيش صدام.
الخيار الرابع هو الأكثر بشاعة، وذلك عندما رجعت إلى الجيش ووجدت وحدتي "المدفعية" كانت قد باشرت بقمع الكرد، ويومها أيضاً اكتشفت بأن أفضل خياراتي هي أن استمر بصفوف جيش يقمع مواطنيه وينهب ممتلكاتهم، ويأكل طعامهم، لا أعرف إن كان إضرابي عن تناول الطعام المنهوب من بيوت الكرد يكفي لتطهيري من هذه اللطخة في تاريخ حياتي أم لا، لكنني أعرف بأنني لم أكن شجاعاً بما يكفي لأختار مواجهة الإعدام بدل أن أبقى في صفوف مثل هذا الجيش.
الخيار الخامس اخترته يوم حاصرني رجال الأمن من جديد. إذ كنت طالبا في الحوزة أيامها، وأعمل في المحكمة الشرعية التي أسسها السيد محمد صادق الصدر، وكانت المحكمة غير قانونية، ما يعني أن العمل فيها غير قانوني أيضاً، الأمر الذي هددني بالاعتقال وفتح ملف حزب الدعوة ومصير الإعدام من جديد. عندها اكتشفت أيضاً بأن أفضل الخيارات المتاحة أمامي هي ترك زوجتي وأطفالي لمصير مجهول ومغادرة العراق نهائياً.
إذن، وبمناسبة يوم التحرير، أو الاحتلال إذا شئتم، أقول: على الرغم من كل مساوئ سياسيي الأزمة الحاليين، أقصد هؤلاء الذين تجاوز خرابهم وفسادهم كل بشاعة صدام، على الرغم من ذلك، فقد كانت أفضل خياراتي مع صدام ونظامه، بشعة لدرجة لا تطاق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram