كان خياري الأول مع صدام منتصف الثمانينيات صادماً، فقبل أن أبلغ السابعة عشر من عمري، تم اعتقالي من مدرستي بتهمة الانتماء لحزب الدعوة، وبيني وبينكم كنت قد انتميت لهذا الحزب فعلاً، بل كانت الخلية التي نظمتها بهذا السن هي الأكبر من بين الخلايا التابعة لهذا الحزب في مدينتي . وهناك، في مديرية أمن المنصور، وبين غرف الاحتجاز ومكاتب التحقيق، أحرقت مرحلة المراهقة التي لم تستنفد أغراضها معي، واكتشفت حينها بأن أفضل الخيارات المتاحة أمامي هو القبول بالإعدام، ورفض جميع محاولات ضابط الأمن مساومتي من أجل تخفيف عقوبتي.
الخيار الثاني كان مكلفاً، وهو خيار الجيش، المهرب الذي فضلت اللجوء إليه من محاولات رجال الأمن ابتزازي بتهمة الانتماء لحزب الدعوة، من أجل إجباري على التعاون معهم، وفعلاً سربني الجيش من مخالبهم، لكنه هدم في داخلي جميع طموحات وخطط الطالب المتميز بحياة متميزة، واكتشف في أول دخول لي إلى ملجأ عسكري، أن أفضل الخيارات المتاحة أمامي هي أن أكون جندياً في جيش لا أمت لأهدافه ولا لأغراضه بأي صلة.
كان الخيار الثالث محيراً، فقد اخترت خلاله أن أهرب من "جيش صدام" لألتحق بصفوف الانتفاضة الشعبانية، وعندما وصلت بغداد وجدتها منهارة، ووجدت أخي الأكبر يتحدث عن موت الانتفاضة، وهنا ذقت الهزيمة المرة، وعرفت بأن أفضل خياراتي هي أن أعود نادماً لجيش صدام.
الخيار الرابع هو الأكثر بشاعة، وذلك عندما رجعت إلى الجيش ووجدت وحدتي "المدفعية" كانت قد باشرت بقمع الكرد، ويومها أيضاً اكتشفت بأن أفضل خياراتي هي أن استمر بصفوف جيش يقمع مواطنيه وينهب ممتلكاتهم، ويأكل طعامهم، لا أعرف إن كان إضرابي عن تناول الطعام المنهوب من بيوت الكرد يكفي لتطهيري من هذه اللطخة في تاريخ حياتي أم لا، لكنني أعرف بأنني لم أكن شجاعاً بما يكفي لأختار مواجهة الإعدام بدل أن أبقى في صفوف مثل هذا الجيش.
الخيار الخامس اخترته يوم حاصرني رجال الأمن من جديد. إذ كنت طالبا في الحوزة أيامها، وأعمل في المحكمة الشرعية التي أسسها السيد محمد صادق الصدر، وكانت المحكمة غير قانونية، ما يعني أن العمل فيها غير قانوني أيضاً، الأمر الذي هددني بالاعتقال وفتح ملف حزب الدعوة ومصير الإعدام من جديد. عندها اكتشفت أيضاً بأن أفضل الخيارات المتاحة أمامي هي ترك زوجتي وأطفالي لمصير مجهول ومغادرة العراق نهائياً.
إذن، وبمناسبة يوم التحرير، أو الاحتلال إذا شئتم، أقول: على الرغم من كل مساوئ سياسيي الأزمة الحاليين، أقصد هؤلاء الذين تجاوز خرابهم وفسادهم كل بشاعة صدام، على الرغم من ذلك، فقد كانت أفضل خياراتي مع صدام ونظامه، بشعة لدرجة لا تطاق.
خياراتي مع صدام
نشر في: 9 إبريل, 2013: 09:01 م
يحدث الآن
ائتلاف السوداني ينسف روايات حسم اسم رئيس الحكومة: ما زلنا في «انسداد» و«مراوحة»
الأسواق العراقية تحت سيطرة الواردات الاستيراد الكبير يخنق الصناعة المحلية ويهدد الأمن الغذائي!
تناقص أعداد الصابئة المندائيين في العراق.. مخاوف الاندثار وصراع الحفاظ على الهوية
مساعي حصر السلاح في العراق.. جدل القبول والرفض
مسؤولون في نينوى يشخصون تحديات المرأة.. ودعوات لمعالجة البطالة والزواج المبكر والابتزاز
الأكثر قراءة
الرأي

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!
د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...









