ولمّا هلّ هلال انتخابات مجالس المحافظات ، وبينما رئيس القائمة العراقية إياد علاوي يقف محدّقاً في الإنجاز الذي حققه في الانتخابات البرلمانية السابقة ، جاء أسامة النجيفي وأشعل نار " متّحدون " تحت قدميه ، وما هي إلا أيام حتى جاء صالح المطلك ليلقي بنزين " العراقية العربية " على النار ، وكان قبلهم قد أشعل الفتيل حسن العلوي بتأسيسه العراقية البيضاء التي فرّخت في ما بعد العراقية الحرة .
وبصرف النظر عن أن القائمة العراقية كانت لحظة تأسيسها في نظر البعض تمثّل أطيافاً سياسية حريصة على إشاعة مفهوم الدولة المدنية ، وبناء دولة المؤسسات ، ثم تحولت هذه القائمة بين عشية وضحاها-وبفضل قادتها - إلى تجمعات سياسية يسعى أصحابها للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب والمغانم ، وتثبيت أقاربهم وأحبابهم في مناصب حكومية تدرّ عليهم الأموال والعقود التجارية ، فإن ما يلفت النظر أكثر هو اندلاع الحريق بثياب إياد علاوي وقائمته العراقية في ثلاثة أماكن وفي توقيت واحد، فضلا عن أن التوقيت نفسه مثير للانتباه، وهو عشية الاستعدادات لانتخابات مجالس المحافظات ، ووسط فوضى سياسية، واستمرار للاعتصامات التي يشرف عليها قادة في القائمة العراقية ، بجانب أن رئيس الوزراء مصرّ على تفتيت القائمة من خلال التلويح بالمغريات ، بما يوحي بأننا أمام عملية خاطفة لإشعال النار في جسد العراقية وتشييعها في غضون الأسابيع المقبلة، وهي أسابيع ستكون حتما حافلة بأحداث ساخنة ستحددها نتيجة انتخابات مجالس المحافظات التي يصرّ ائتلاف دولة القانون على الحصول على نتائج تبيح له الاستحواذ على المشهد السياسي ، فيما يرى البعض أن المالكي ينتظر النتائج التي ستحدد شكل التحالفات المقبلة ، وهل ستتيح هذه النتائج له أن يغير في تركيبة الحكم مثلما يطمح ؟
وبعيداً عما جرى خلال الأسابيع الماضية الذي ينذر بإثارة غبار معارك وصراعات بين أجنحة العراقية ، فإن المثير حقا هنا هو صمت إياد علاوي ، الذي أعتقد أنه مأزق أكثر مما هو صمت ، أتمنى أن يعبره السيد علاوي بأقل الخسائر ، وفي السياسة لا يكون التمني كل شيء ، وللمأزق أبعاد عدة، لكن أبرزها أن السيد علاوي لم يستطع أن يشكل حزب أغلبية، كما أنه يواجه مصاعب في إثبات أنه حزب المعارضة الرئيسي في البرلمان، حتى هذه المكانة لا يستطيع أن يبلغها، رغم أنه يملك حتى هذه اللحظة ما يقارب الثمانين مقعدا في البرلمان ، فبين الحصول على مكاسب شخصية وسياسية وبين إرضاء الناخبين يبدو أن القائمة العراقية بدأت تتآكل، وأغلب الظن أن ابتعاد إياد علاوي عن مركز الأحداث –العراق– بسبب سفرياته الكثيرة جعله يقبل بدور " المنظّر لحركته "، بدلا من دور المشارك الفاعل في صنع الحدث، وهذا الاختيار نابع من تركيبته الشخصية بالأساس، بالنظر إلى أنه طوال عمره المديد مارس السياسة بمعناها العام وليس المباشر، وأعني بالمباشر ما تفرضه من التحام بالناس، فالرجل أمضى سنوات حياته في ظلال المعارضة الهادئة ومن ثم لم يكن منطقيا أن يتحول بين عشية وضحاها إلى ثوري يعتصم تحت نصب الحرية حتى تتحقق مطالب الناس بالإصلاح،وأيضاً لدى حركة الوفاق التي يرأسها السيد علاوي مأزق آخر، يكمن في المساحة التي تحتلها على أرض الواقع حين يفاجأ المتابع لأحوال الحركة بأن مساحتها التنظيمية على الأرض ليست بقدر طموحات أعضائها، بل إن قدرتها التنظيمية ضعيفة بشكل ملحوظ ما يدفعها إلى تعويض هذا الخلل من خلال الالتحام بقوى وتنظيمات سياسية ربما لا تتبنى الخطاب نفسه الذي تتبناه الحركة. وتلاحق حركة الوفاق اتهامات كثيرة بأنها تخلت عن منهجها الليبرالي حين عقدت صفقة مع قوى تنتمي لتيارات دينية، مثل حركة التجديد وجماعة الحل أو قوى تنتمي لتيارات متشددة، مثل جبهة الحوار الوطني، وهذه الخلطة كانت أولى بشائر الانتحار السياسي للحركة .
إن مأزق إياد علاوي عميق، وإدارته الأزمة السياسية الحالية سوف تكشف عما إذا كان بإمكانه أن يخرج من هذا المأزق، ولو بقدر قليل من الحرائق ، وسوف يتضح للمواطن العراقي كيف يمكن الوثوق في أحزاب وقوى سياسية طرحت مشروعاً مدنياً للإصلاح السياسي ثم تخلت عنه مقابل حفنة وزارات ومقعد هلامي في البرلمان يطلّ به علاوي على الأحداث الجارية في البلد من شرفته في لندن أو بيروت ،ليطلق بعض التصريحات النارية ثم يعود بقوّة إلى حالة سبات وصمت لم تقطعها إلا تصريحات هنا وهناك ظهر فيها الرجل أقرب إلى اليأس الكامل من إمكانية حصوله على منصب سيادي .أما الناس التي خرجت إلى ساحات الاعتصام فعليها هي وحدها أن تقود المعارضة وتتحمل نتائج خروجها على الحكومة، فيما السيد علاوي بعيد.. بعيد .. بعيد جدا
جميع التعليقات 1
رياض المدرس
الى الكاتب علي حسين بعد التحية والسلام متى تتجه كتاباتك لانتقاد البارزاني وامبروطوريته؟ ام انك لا ترى غير احزاب بغداد؟