أ.د. تيسير عبد الجبار الآلوسيrn(1-2)rn(1) زاوية من رحلة التأسيس والأمس القريبعادت الجامعة العراقية للحياة مجددا في كنف ولادة الدولة العراقية مطلع القرن المنصرم. فيما تاريخ هذه المؤسسة العلمية يعود إلى أول بيت للعلم والمعرفة في التراث الإنساني (السومري) مثلما يعود لبيت الحكمة والجامعة المستنصرية وهي واحدة من أوائل الجامعات المعروفة عالميا... وإذا كانت الأجواء قد تمتعت بحرية البحث والتقصي ودعم الدرس المعرفي في الأزمنة المشار إليها، فإنَّ تلك الحرية قد تحددت بشروط وقيود متنوعة مختلفة طوال مسيرة زهاء القرن من الولادة الحديثة...
إنَّ تاريخ الجامعة العراقية يشهد ببزوغ عديد من المحاولات لتعميد البحث العلمي وتحديثه وحماية حريته ورصانته.. فقد تصدى أعلام التخصص الأوائل لمهامهم بجدية وبروح مسؤول من الثبات على المواقف المبدئية حتى كان التحدي يصل إلى درجة من الاحتدام الأمر الذي كان ينتهي باعتقال الأستاذ الجامعي أو فصله من عمله وإبعاده أو نفيه أو تحديد إقامته ومنعه من مزاولة أي شكل من أشكال البحث العلمي...rnولطالما أعقب تلك الأحداث احتجاجات رسمية وشعبية في الحرم الجامعي فتنطلق التظاهرات ويعلو صوت الزملاء الأكاديميين والباحثين والطلبة تساندهم جموع شعبية غفيرة كما حصل في نموذج التلاحم والتنسيق عندما ساهمت قوى الشغيلة العراقية من العمال في حماية مؤتمر السباع الذي انبثق منه أول تنظيم طلابي؛ وكما جرى في منتصف خمسينيات القرن الماضي في الانتفاضة المعروفة...rnلقد عانت الجامعة العراقية، باستثناءات زمنية ضئيلة، الحرمان والمحاصرة والتدخلات السافرة في سياستها وفي توجيه إداراتها وتجييرها لخدمة السلطة السياسية.. وجرى الاعتداء على الحرم الجامعي واختراق حصانته باستمرار. ومع ذلك كانت المجالس العلمية تحديدا تتحدى على وفق المتاح والممكن تلك الضغوط وتجهد نفسها لتمرير ما هو موضوعي وسليم علميا أكاديميا..rnومما يمكن الإشارة إليه هنا هو تعاضد الجهود كيما تجري تنقية لائحة أو قانون أو كيما يجري تمرير بحث علمي أو إقرار رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه بعيدا عن أعين الرقيب (الفكري) وبلفظ أدق (الرقيب السياسي القمعي).. فمرّت بنجاح طوال عقود التسلط أعمال جدية مهمة في ظلال مسيرة الجامعة العراقية، حتى أنها كانت من بين أوائل الجامعات التي خرَّجت دفعات الريادة لقيام مؤسسات التعليم العالي في دول المنطقة...rnويمكننا الإشارة هنا إلى معارك فكرية حقيقية كبيرة وعلامات مهمة في تاريخ الجامعة العراقية. وقد حصل هذا في مناقشة رسالة الفكر الاشتراكي في الأدب العراقي المعاصر بكلية الآداب في جامعة بغداد وحصل هذا في المعركة السياسية الفكرية التي انتصرت أولا لإدخال تخصص الأدب المسرحي في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة بغداد وثانيا بمرور رسالتي الماجستير والدكتوراه في الأدب المسرحي على الرغم من المواقف المسبقة المتشنجة التي عارضت ثلاثة أمور ظلت مرفوضة زمنا طويلا تمثلت في دراسة كتّاب أحياء وفي مجال النص المسرحي وفي استخدام تلك النصوص للغة المحكية الدارجة أو اللهجة العامية..rnكان ذلك، بمناقشة مادتي رسالة "المسرحية العربية في الأدب العراقي الحديث" ويومها علق أحد المناقشين رافضا استخدام مفردات من نمط شغيلة بدل عمال وشبيبة بدل شباب على أساس أن استخدام تلك الألفاظ يوحي بالخلفية الشيوعية التي حاول إقحامها عبثا كيما يقمع الباحث ويبرر رفض بحثه.. وطبعا مما رفضه الباحث في حينه في دفاعه عن عدد من الأمور أولها رفضه أن يتم تقسيم المعجم اللغوي بين يسار ويمين وأن يجري في ضوء ذلك تحريم استخدام ألفاظ قد تدعو الضرورة اللغوية البحتة لاستخدامها على أساس من القواعد المعجمية الدلالية والبلاغية الأسلوبية وثانيها رفض الحظر الصادر بحق النصوص الإبداعية بسبب من خلفية مبدعيها السياسية الحزبية (اليسارية تحديدا).. أما الأمر الثالث فكان رفض إخضاع الأكاديمي العلمي للخطاب السياسي ومحظوراته الآنية..rnوانتصرت في زمن الطاغية مواقف الأكاديميين المتنورين وجرى تحدي ثوابت التقليدي المحافظ بشأن موضوعة الأحياء المعاصرين وبشأن النص المكتوب باللهجي المحكي، وأخيرا بشأن إشكالية الحظر على النصوص غير الشعرية وقد سبق لنقاد وباحثين أكاديميين أن كسروا هذا الحظر بإدخال دراسة القصة والرواية وتبعها لاحقا كسر الحظر بإدخال النص المسرحي للدرس الأدبي ومنحه مكانه ومكانته البحثية، وعلى الرغم من ذلك فإن مشكلات عديدة قد منعت من تطوير هذا الانتصار للبحث العلمي وللدرس الأكاديمي.. وبقيت المعركة تدور بين المحافظين والمحدثين معركة بين متسلطين بقوة القسر ومدافعين عن المنهج العلمي والتنوير العقلي بقوة البحث العلمي وشروطه الأكاديمية البحتة.. وقد عاد هذا للظهور كما هو متوقع في ظروف تراجعات مشهودة اليوم في الحياة العامة وفي مجريات أوضاع الجامعة العراقية وظروف استقلالية عملها وممارستها الحرية الأكاديمية فتنامت مجددا سطوة قوى محافظة أو غير كفوءة على إداراتها وعلى توجيه التعليم العالي ومؤسساته برمتها فجاءت واقعة الموقف من خطة أطروحة دكتوراه في نصوص شاعر معاصر لتثير معركة جديدة ولتعيد إلى الواجهة مطلب التحديث في القوانين والآليات وفي واجب حماية حرية البحث العلمي...rn(2) استقلالية الجامعة وحرية البحث العلميrn ولمعالجة قضية الحريات واستقلالية الخطاب الأكاديمي العلمي نشير هنا في هذه القراءة إلى أنّ أطاريح الدرا
الجامعة العراقية بين جهود التحديث وماضوية اللوائح والقوانين
نشر في: 26 سبتمبر, 2009: 06:18 م