تظهر اليوم تداعيات سقوط نظام البعث وصدام قبل عشر سنوات، وهو حدث حاول البعض حصر تأثيراته في العراق ، فيما روج آخرون أنه سيكون بداية لعهد جديد من الديمقراطية في الشرق الأوسط، وتجاهل كثيرون أن واشنطن كانت تسعى لتبدأ الخطوة الأولى في إعادة صياغة المنطقة، بما يتناسب مع مصالحها، حتى لو بالتحالف مع إيران، وهكذا انفلتت المعايير على وقع سقوط عاصمة العباسيين، وتبدّت للعيان النزاعات المذهبية، التي كانت كامنةً تحت ركام الخوف وإرهاب السلطات الحاكمة، انطلقت مقاومة الغزو الأميركي على أساس مذهبي، حمل لواء القومية، محارباً الحكام الجدد من الطائفة الأخرى، وكان المحيط السني رافعة دعم له، برغم عدم وضوح الأهداف ومآلات الصراع، الذي انتشر لهيبه ببطء وهدوء في أرجاء المنطقة كافة.
بسقوط صدام، باتت الجمهورية الإسلامية قوةً إقليميةً، فتأثيراتها لا تتوقف عند حدود بلاد فارس، وإنما تمتد مذهبياً إلى الكثير من مناطق الخليج، وصولاً إلى سوريا ولبنان عبر بلاد الرافدين، ووفر هذا المناخ فرصةً لطهران، فسعت إلى إنجاز برنامجها النووي المثير للجدل، معتبرةً نفسها قوة قادرة على مواجهة واشنطن، وكل الدول الغربية المتحالفة معها، وكانت الأحداث الإقليمية جميعاً تصب الحب في الطاحونة الإيرانية، التي أطاحت حكومة الحريري في بيروت، وثبتت دعائم حكم المالكي في بغداد، وفقدت سياسات واشنطن تأثيرها الذي كان متعاظماً، بفقدانها عدداً من حلفائها التقليديين في القاهرة وتونس وصنعاء، على وقع تداعيات الربيع العربي، الذي استنبتته أمطار إطاحة صدام.
فتحت تداعيات إسقاط صدام أعين الجماهير العربية، على حقيقة أن أعتى النظم الدكتاتورية قابلة للعزل والاستبدال، كانت البداية المتأخرة من تونس، لكنها أتت كإعصار اجتاح ليبيا ومصر واليمن وسوريا، وما زال يفتش عن منافذ في مناطق أخرى، لم يكن أمام واشنطن الزاعمة رعايتها للديمقراطية، وهي تتفرج على متوالية سقوط الأنظمة التابعة، وللحفاظ على مصالحها، وعلى أمن إسرائيل، غير اللجوء لخيار دعم الإخوان المسلمين، في مواجهة القوى التحررية والليبرالية المناوئة لسياساتها، وأيضا لمواجهة الفكر الإسلاموي المتشدد، نجحت في مصر وتونس، وجزئياً في ليبيا واليمن، وهاهي تتخبط في مواجهة الزلزال السوري، عاجزةً عن منع تغوّل تنظيم القاعدة على قوى الثورة السورية الوطنية.
كان سقوط صدام ضرورياً، لبدء مرحلة جديدة من حياة العراقيين، وهي للأسف لم تبدأ بعد، في ظل نظام المحاصصة الطائفية، وما نجم عنه من عدم تبلور هوية وطنية جامعة، لكن ذلك السقوط فتح أبواباً، ظنها بعض الحكام محكمة الإغلاق، ونجم عنه تحولات في موازين القوى الإقليمية، حيث تقلّص الدور المصري، المتأرجح اليوم في تبعيته بين الرياض وطهران، التي باتت مركز ثقل أساسي في المنطقة، واستعادت أنقره بعضاً من دورها، وهي على قناعة أن مجالها الحيوي هو منطقة الشرق الأوسط ، حيث تحتل فيه مركزاً قيادياً، بدل أن تكون دولةً أقل من عادية في الإتحاد الأوروبي، وعلى من يتوقع أن تكون سوريا آخر تداعيات إسقاط صدام، أن ينتظر الكثير من الأحداث الناجمة عن الزلزال العراقي، وهو بحق أحد أهم التطورات في المنطقة، خلال نصف القرن الماضي.
إسقاط صدام.. التداعيات مستمرة
[post-views]
نشر في: 13 إبريل, 2013: 09:01 م