TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المالكي يقول لكم : " ختامها " بوكسات "

المالكي يقول لكم : " ختامها " بوكسات "

نشر في: 14 إبريل, 2013: 08:01 م

هناك نوع من التصريحات ، تثير الاستغراب بقدر ما تثير الضحك، وغالباً ما تأتي هذه الكوميديا بأخبار من نوعية "سري وشخصي  " لا ينبغي للناس أن تعرفها، وفي كثير من الأحيان يكتشف المستمع أن المصدر الوحيد لهذه الأسرار هو الخيال الجامح لصاحبها .. في هذا الإطار يمكن التعامل مع الحوار الذي أجرته قناة العراقية مع رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي ، الذي أخبرنا فيه  أنه " لا يمانع من تلبية دعوة البرلمان إلى تضييفه ، محذرًا من أن ما بحوزته من ملفات خطيرة سيقلب الدنيا في العراق،" والطريف أن اللقاء التلفزيوني ينتهي بجملة سنظل نقلبها ذات اليمين وذات الشمال دون أن نحل لغزها،لأنها- أي الجملة- تقول "إن ما يمنع رئيس الوزراء من كشف هذه الملفات" هو رد الفعل الخطير، الذي سيصيب العراق والعراقيين، مفضلا التريث حقنًا للدماء، وخوفا من اندلاع مشاكل و "بوكسات" داخل البرلمان وأن من بين المتورّطين نواباً من التحالف الوطني وبقية الكتل، من خلال استخدام نفوذهم وبطاقات تنقل عناصر حماياتهم".
تسريبات ومتاهات ستظل تلاحق المواطن المسكين من الآن فصاعدا باعتبارها فصلا جديدا من كوميديا أوسع وأشمل اسمها "الملفات المخبأة" التي بدأت بفزاعة أطلقها قادة أمنيون صاحبتهم فيها إيقاعات على مارش عسكري عزفه عدد من المقربين أقسموا جميعهم بأغلظ الأيمان على أن المنطقة الخضراء كادت تتعرض لهجوم كاسح لولا لطف الله بعباده الصالحين .
في كل لقاء تلفزيوني يصر السيد المالكي على أن يمارس قصفا متواصلا على عقول الأبرياء من الناس، بكل أنواع أسلحة حرف الحقائق، كي نستغرق معه في الحديث الصاخب عن المؤامرات التي تحاك في الظلام وننسى أن واجب رئيس مجلس الوزراء هو تكريس الجهود للبناء والتنمية وتطوير قدرات العراقيين وتأسيس دولة المواطنة، فيما نرى يوما بعد آخر أنه مصرّ على عدم تحريك أي ملف ما لم يتم القضاء على كل المتآمرين الذين دخلوا إلى البرلمان سهواً ودون موافقته الشخصية .
اعتقد العراقيون واهمين أن الخطر الأكبر الذي يواجه بلادهم هو الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة، والمحسوبية والانتهازية السياسية وغياب الكفاءات وسرقة المال العام، لكن المالكي فاجأنا في حواره التلفزيوني أن أخطر ما يواجه الناس هو حضوره جلسة البرلمان ، وهي نكتة ربما تكون ثقيلة على سمع العراقي المسكين الذي تيقن بالدليل القاطع أن البرلمان لا يزال سجين لأمزجة مسؤولين   يخلطون السياسة بالكوميديا منذ سنوات.
ولأن المالكي مهتم براحة بال المواطن وخوفه عليه من الزلزال فإنه لا يريد له الدخول في تفاصيل هذه "الملفات" ولا معرفة أسماء النواب "الإرهابيين" ولا داعي لمعرفة الجرائم التي ارتكبت، كما سعى من قبل ألاّ يشغل تفكير المواطن المسكين بمهلة المئة يوم التي أعطاها المالكي لنفسه لتحسين أوضاع الخدمات .. للأسف مثل هذه الأخبار تدغدغ مشاعر المخدوعين، لكنها في المقابل وسيلة لابتزاز قطاع كبير من العراقيين، بطريقة الخوف الدائم من المجهول، حين يصر البعض على اتهام الناس بأن أمنهم في غرفة الإنعاش ولن يشفى أبداً.
هذه حقائق وليست رجما ًبالغيب أو ادعاء معرفة أو خبرة، لكنه الواقع يؤكد أن رئيس مجلس الوزراء يسعى لاستخدام "الملفات" كسلاح في معركته السياسية مع خصومه ، فهو يلاعب الجميع بمن فيهم شركاؤه في التحالف الوطني بالأوراق، وتسريب الأخبار، لابتزاز الخصوم وأيضا لاستهلاك المواطن في حروب فارغة، وينسى المالكي أن المشكلة ليست في "الملفات" التي يخبئها في مكان مجهول، ولا في حقيقة هذه "الملفات"، لكنها في إصراره  والمقربين منه على أن يقهروا الجميع.
والغريب في اللقاء التلفزيوني المذكور، اننا انتبهنا للمالكي وهو يكرر كلمة "أنا" ‎وكأنه يريد أن يقول: أنا موجود إذن أنتم بخير.. وليؤكد لمستمعيه أن كلامه وحده له قيمة، وهذا ما يسمونه في فن التمثيل اندماجا مفرطا يجعل المتفرج لا يصدق أن الاحداث تدور من على شاشة التلفزيون .
يجب أن نأخذ دائماً في الاعتبار الفارق بين الأمم التي نشأت على ثقافة الحوار، وتلك التي تصر على أن الشارع مجرد ترديد هتافات "بالروح بالدم"، الفارق بين الحكومات  التي تحترم فيها الديمقراطية وبين حكومة "الملفات"، مثل الفارق بين مجتمع حر، منتج، يحرص فيه المسؤول على تحقيق العدالة الاجتماعية، وآخر لا يملك شيئاً سوى اللقاءات التلفزيونية  وإشاعة قيم البطالة والخراب .
دائما أعود إلى العجوز مانديلا الذي لم يخرج في لقاء تلفزيوني ليتحدث عن الظلم الذي لحق به، بقدر ما نراه في كل إطلالة باسماً يشيع من حوله روح التسامح والحب.
تزدهر الأمم بقادة يصرون على إشاعة روح التسامح والأمل والعدالة الاجتماعية وبسط سلطة القانون، بينما نغرق نحن مع ساسة "الفضائيات" الذين لم يتوقفوا لحظة واحدة عن بث الخوف والفزع في نفوس الناس وإشاعة رياضة "البوكسات" لو أن أحداً تجرّأ وطالب  بتداول سلمي للمسؤوليات والسلطة ومحاسبة المفسدين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. المدقق

    ان الملفات التي بحوزة البطل المالكي ان كانت غير صحيحة فلماذا تنزعجون وينزعج منها النواب ؟؟ اريدكم ان تجيبوا على هذا السؤال ايها الاشاوس .. ويطبة مرض الما يحب المالكي ...

  2. النعيمي

    الحرامي والمجرم يدور زلات وخبايا الي مثلة وتصور الكل مثلة

  3. كاطع جواد

    مسؤولية الرجل الاول بالدولة هي حماية مواطنيه والسهر على راحتهم والتصدي لكل من يهدد سلامتهم وآمنهم الاقتصادي حتى وان كان من اقرب المقربين اليه لانه بهؤلاء المواطنين يحتل الصدارة فهم من فوضوه قيادتهم عبر انتخابه ..فاي إخفاء لملف او او تستر على فاسد هي

  4. زامل اللامي

    تهديد المالكي من على قناة العراقية والذي قال فيه انه سيقلب الدنيا بكشفه ملفات خطيرة اذاما ذهب الى البرلمان وهذا التهديد يذكرنا يتهديدات صدام الفارغة عندما كان يهدد بها اعداء وخصومه وان كان المالكي حقا يمتلك ملفات حقيقة وغير مفتعلة فماذا ينتظر هل ينتظر مقت

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram