تشهد العاصمة بغداد وبقية المدن العراقية حالة متفاقمة من تدهور الأمن في ظل انتشار ظواهر حوادث القتل والاعتداء على المؤسسات والسطو المسلح, والسرقات بالإكراه, والاختطاف بهدف الحصول على فدية كبيرة, والتحرش الجنسي... الخ. وأصبح المواطن لا يأمن على نفسه أو ماله أو عرضه, ما دعا الكثير من المراقبين الأمنيين إلى وصف ما يحدث في الشارع بأنه نتيجة طبيعية لتراجع اهتمام الدولة بالأمن الجنائي بشكل كبير لمصلحة الأمن السياسي.
وحتى يمكن تناول كيفية تفعيل دور الدولة في مكافحة انتشار الجرائم بشكل أكثر تحديدا, يمكن تعريف الجريمة الجنائية من حيث الشكل بأنها كل مخالفة لنص في قانون العقوبات يترتب عليه عقوبة جنائية, أو هي كل فعل يفرض له القانون عقابا. أما وفق الموضوع, فتعرف الجريمة الجنائية من خلال التركيز على جوهر الجريمة ذاتها باعتبارها واقعة ضارة بمصالح المجتمع الأساسية والتي يقوم عليها أمنه وكيانه.
أما على صعيد الواقع العملي, فلابد للدولة من استرداد دورها الغائب أو المفقود أو المسلوب ـ أيا كانت المسميات ـ في مكافحة انتشار وتفاقم الجرائم الجنائية في المجتمع, وهو الدور الذي لا ينازعها فيه أحد. فكما أوضح العديد من رجال القانون بان تمتلك السلطة التنفيذية الموارد والإمكانات والطاقات والنفوذ باعتبارها الجهاز الذي يجمع المعلومات عن كل كبيرة وصغيرة على نطاق المجتمع كله ويركزها ويلخصها ويرفعها لقمة الهرم, وبالتالي تكون القيادة قادرة على تكوين رأي يستند إلى تلك المعلومات وتطبقه من خلال الأجهزة المعنية, وهو ما يعتبر بمثابة نقطة قوة للسلطة التنفيذية لا تتوافر للسلطة التشريعية ولا القضائية, بل وأضيف من جانبي ولا تتوافر للمعارضة ـ على اختلاف مشاربها وتوجهاتها, أو الإعلام أو المجتمع المدني الذي يستطيع أن يسهم بقوة وإيجابية في دعم دور الدولة في تحقيق الأمن الجنائي من خلال الدور التنويري الهادف في تحفيز مختلف فئات الشعب على مقاومة الجريمة بمختلف أنواعها, لاسيما في ضوء كون السلطة التنفيذية هي السلطة الوحيدة أو الهيئة الوحيدة في المجتمع التي تمتلك ما يسمي بوسائل العنف المشروع, فلديها قوة الشرطة, بمختلف أجهزتها, وقوات الجيش , بمختلف صنوفها ـ ولدى السلطة التنفيذية أيضا عقوبة السجن عند اللزوم, إضافة إلى ما تمتلكه من موارد تخصص لهذا الغرض. في تقديري هناك شرطان لنجاح السلطة التنفيذية في الاضطلاع بالدور المنوط بها في هذا الشأن:
الأول: تغليب مبدأ الوقاية خير من العقاب, وذلك من خلال إعادة انتشار قوات الشرطة في مختلف أنحاء العراق, خاصة في المناطق التي تمثل بؤر توتر خطيرة لانتشار الجريمة. فالملاحظ انتشار العديد من الأحداث والجرائم التي شهدها المجتمع لحظة وقوعها, مثل أحداث مهاجمة مقرات الوزارات والدوائر الأمنية.. الخ, ولم تفلح الدولة, ممثلة في الحكومة وتحديدا وزارة الداخلية, ليس فقط في منع وقوعها ولكن كذلك في التوصل لحقيقة مرتكبيها حتى الآن تحت زعم الطرف الثالث, وهو ما يمثل لغزا محيرا للكثير من المراقبين الذين يرون أن تطبيق القانون بقوة وحسم هو السبيل الوحيد ليس فقط لمنع تكرار وقوع الجرائم وانتشارها, لكن كذلك لتوفير الاستقرار والسياق المناسب لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي, بل والشعور المجتمعي بالأمن والأمان بوجه عام.
الثاني: سرعة الانتهاء من متطلبات المرحلة الانتقالية بما يضمن توفير سلطة تشريعية مستقرة تضع القوانين اللازمة لاستقرار المجتمع وكفالة أمنه. وفي هذا, لابد من التأكيد أنه في حين على الدولة ـ ممثلة في الحكومة بمختلف وزاراتها وأجهزتها ومؤسساتها ـ أن تطبق بحسم القوانين والتشريعات التي يقرها البرلمان وفق جدول زمني واضح المعالم, حتى لا تكون حبرا على ورق, وأنه إذا لم تقم الدولة بذلك, فهذا يعني تخلفها عن الاضطلاع بواجباتها المنوطة بها مما يقتضي مساءلتها من قبل أعضاء السلطة التشريعية وضعها في الاعتبار أن الأمن مسؤولية ونتيجة مشتركة للجميع, حكومة وبرلمان ورأي عام, والاستقرار هدف ومسؤولية مشتركة للجميع .
الانفلات الأمني إلى أين ؟
[post-views]
نشر في: 14 إبريل, 2013: 09:01 م