للسيدة التي حكمت وتحكمت بسياسة بريطانيا، تقرع النواقيس يوم التشييع الأخير بمدعوين تجاوز عددهم الألفين، تتقدمهم الملكة وزوجها، والأصدقاء والخصوم،-- ففي حضرة الموت يمتثل الأحياء للنسيان أو الغفران --، وبميزانية ناهزت المليون جنيه ونيف، .
للسيدة: كل هذا الحب الظاهر، والكره الدفين.
للسيدة: الحرير الحجر، الحمامة الصقر، الوردة الشوكة، الحسكة، القلبها قلب امرأة (أم وزوجة) والقبضتها قبضة رهط رجال.
هل تكفي الجزئيات، وصور زيتية معلقة، للعنة ابنة البقال،أو مباركتها؟ لا. لا.لا
للسيدة: التي جالست الملوك والرؤساء، وناورت الملكة والقصر الملكي، ونفذت سياسة حزب المحافظين بحد الرمح وسن الإبرة، وأدهشت بنفوذها الكاسح،-- وفوزها الساحق لثلاث دورات انتخابية -- المحللين والمراقبين، متصدية لأعرق حزب، وحققت ما لم يحققه رجل في تاريخ الوزارات البريطانية على مدى الـ(150) عاما .
تعدّ وجبتها الصباحية بنفسها، في مطبخها المتناهي في البساطة والمساحة،وتكتفي بفنجان قهوة وقرص فيتامين حين تتوقع مناقشات حامية في المجلسين (البرلمان أو مجلس الوزراء).
تجيد المناورة، وتحسن الزيغ، وتختار ألفاظها بحذق الصاغة، وتزن كلماتها بالمثاقيل، وتواجه المواقف الصعبة بمناورة ومهارة، وتسريبها بعيدة عن العين لصيقة بالذاكرة،تستخرج الحق من الباطل بذات المهارة التي تستخرج بها الباطل من الحق. وحين كان خصومها يكيلون وعودهم الانتخابية بالقناطير، كانت تكيل وعودها بالقراريط، وحين يلوحون بالحجة، تدمغهم بحجة أبلغ.
وحين يمعنون في الاتهام، لا تكتفي بمجرد الدفاع.
عزفت على وتر الوطن بمهارة، عودة الألق لبريطانيا عظمى، وخلبت لب جيوب الأثرياء و حملة الأسهم قبل عقولهم وأفئدتهم.
الإصبع التي تعيق حركة الكف، تقطعها، وتبقي عليها مشدودة للرسغ تحسبا ليوم الحاجة، والثوب الذي يمزقه صاحبه طيشا أو نزقا تتولاه بالرتق وتدخره ليوم العوز، (كما فعلت مع هزلتاين وزير الدفاع وباركنسون وزير الطاقة، وغيرهم، المفارقة إن معظم الذين طردوا من الوزارة، بالإقالة أو الاستقالة، عادوا وشمروا عن سواعدهم وتشقلبوا في القطارات وطافوا المدن ليروجوا لعودة الحزب بزعامة السيدة!!
أي سر؟! لا سر، سوى حذق سيدة استثنائية، بإخلاص لمبدأ والنظر أبعد من الأنف.
الخاص يتغلب على العام!والروح الفردي تنتصر على روح الجماعة! الشخصي قبل الشراكة! رأس المال الوقح ذو العضلات، ينابز الاشتراكية المسالمة الواهنة الحجج، والشعب البريطاني كمعظم شعوب العالم ينشد الاستقرار، ويكره التقلبات (الحنقبازية)، ويتوق للقوة، ويفضل حاكما يحترمه على حاكم يحبه، والغالبية الانتخابية – عموما تتخلى عن فضيلة التفكير بالعقل المحض، أو الاستسلام لرغبة القلب، وتفضل التفكر عن طريق الجيب والمحفظة والرصيد.
دلوني على سيدة ملكت المال والجاه والسلطة والولد، وخرجت من الدنيا خالية الوفاض إلا من كدس باقات ورد وقرع نواقيس!!
** بعض المعلومات والعبارات مستلة من مقال للكاتبة منشور في مجلة لندنية عام 1987 إثر فوز تاتشر الثالث.
لمن تُقرع النواقيس؟؟
[post-views]
نشر في: 14 إبريل, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
زيدون البغدادي
السيد المحرر : تبلغ الميزانية المرصودة لمراسيم تشييع تاتشر عشرة ملايين باون ونيف ، وليس مليون واحد فقط كما ذكر _ ربما سهوا - وليس لنا إلا أن نقول : وعليه العوض !!!!!!