هل الإنسان كائن مُدجّن؟ أقصد هل الإنسان كائن تم تغيير بعض طباعه التي تناسب حالته الأولى، لصالح طباع تناسب حالة أخرى مُبتكرة؟ كما حدث مع تدجين الإنسان نفسه، لبقية الحيوانات، عندما أراد أن يُرغمها على تأدية خدمات، لا تتناسب والحالة الطبيعية التي هي عليها. فدجن الخيل (مثلاً) وحولها من كائنات وحشية لا تقبل الانقياد، إلى كائنات سلسة ومنقادة إلى أبعد الحدود.
ما جعلني أطرح هذا السؤال هو إعادتي قراءة أسطورة الخلق السومرية (اينوما آليش). ففي نهايات هذه الأسطورة تحدث معركة بين تيامات، أو تعامة، أم الآلهة، التي أغاضتها أفعالهم وصخبهم وقررت إبادتهم، وبين مردوخ الإله الشاب القوي، الذي انتدبه الآلهة الخائفون من تيامات، للدفاع عنهم. في هذه المعركة ينتصر مردوخ ويشرع بخلق الإنسان ليفتح عصراً جديداً في هذا الوجود. والملاحظة التي تبادرت إلى ذهني، وهي بالتأكيد وقعت محل ملاحظة أكثر المهتمين بهذه الأسطورة، هي أن المعسكر الذي يقوده مردوخ، عبارة عن مجتمع يقوده إله ذكر مقابل ذلك الذي تقوده تيامات بشكل مطلق. وهنا سألت نفسي سؤالاً كرر الكثيرون طرحه، هو؛ هل تكشف الأسطورة عن ثورة ما، قام بها الذكور وانهوا خلالها عصراً كانت تحكمه المرأة؟
ما نحن متأكدون منه الآن أن القوانين والقيم والعادات والتقاليد الاجتماعية التي عرفناها عبر عصور التاريخ، هي نظم مكتوبة من قبل الذكور، وبشكل يضمن تلبية الأعم الأغلب من مصالحهم، وبالنتيجة فقد عملت هذه النظم على إعادة تركيب ذات الأنثى لتكون منسجمة مع مجتمع يحقق رغبات الذكور. ونحن لا نستطيع أن نعرف الكيفية التي كانت عليها الأنثى في عصر ما قبل انتصار مردوخ، هل كانت الميوعة والرقّة إحدى أهم القيم التي تحرص على تمثلها؟ هل كانت ميّالة في ذلك الوقت إلى إغواء الذكر بمفاتن الجسد، أم أن العكس هو الذي كان يحصل، كما يحصل لدى الطاووس مثلاً؟
إذن هناك الكثير من الدلائل التي تؤكد، لحد ما، حصول عملية تدجين قام بها الذكر لتغيير سلوك الأنثى، والسؤال الذي أريد الانتهاء عنده، هو؛ هل وقع الذكر هو الآخر ضحية لعملية تدجين قام بها المجتمع، أو بعبارة أدق، تطلبتها ظروف بقاء الجماعة. نعم ربما حصل ذلك، ما يعني أن الإنسان الذي نحن عليه، قد لا يكون هو ذات الإنسان الذي كنا عليه في زمن ما قبل التدجين.