وردتني أكثر من رسالة على الخاص في الفيسبوك يسألني مرسلوها أن أساعدهم في اختيار مرشحيهم في انتخابات مجالس المحافظات، يسألونني عن ذلك بعد أن يؤكدوا بطريقة أو بأخرى أن التعويل على رأيي ناتج عن قربي من السياسيين ومعرفتي لتوجهات الكثيرين منهم.
وبالتأكيد قمت بالاعتذار من مرسليها وأخبرتهم بأني لا استطيع أن أتحمل مسؤولية الاختيار بالنيابة عن الآخرين، أولاً: لأنني لا أريد الترويج لطرف ما، لمجرد أنني أثق به، دون أن أعرف ما إذا كان يمتلك برنامجاً واضحاً وواقعياً، وخطة عمل قادرة على تطبيق هذا البرنامج في ظروف العراق الحالية.
وثانياً: لأن عملية الاختيار تقع في صلب العملية الديمقراطية ولا يمكن النيابة فيها عن الآخرين، بل أن المشكلة التي نعانيها في ممارستنا هي أن خياراتنا في أغلبها جماعية لا فردية، بمعنى أن الناخب لا يختار دون أن يأخذ في اعتباره خيارات جماعته، وهي في أغلبها طائفية أو عرقية، في حين أن فلسفة الديمقراطية قائمة على نوع من أنواع النفعية الاقتصادية التي يحدد فيها الناخب خياراته منطلقاً من البرامج التي تضمن له حياة أكثر رخاء.
لكن كيف انقلبنا نحن على هذه النفعية، وخلقنا مقابلها نفعية أيديولوجية/ طائفية/ عرقية؟ لا أعرف في الحقيقة.
على العموم فإن ما أريد أن أصل إليه، هو جواب غير مباشر على تساؤلات الأصدقاء الذين راسلوني، فالجواب من خلال العمود الصحافي لا يتضمن توجيهاً مباشراً أو نيابة من نحو ما. أريد أن أقول: أن جميع القوائم والكيانات الائتلافية، لم تقدم برنامجاً مقنعاً، بالنسبة لي على الأقل، وأقصد بأننا لا نزال نفتقر لبرنامج يتجاوز الشعاراتية وينهض بمهمة معالجة الإشكاليات الواقعية المعقدة في العراق، ومن أهمها إشكالية تجاوز عصابة الفساد السياسية الممسكة بدفة البلد والقادرة على إفشال أي برنامج لا يرضخ لضوابطها الإفسادية.
لكن مع ذلك نبقى ملزمين بترتيب سلَّم لأولوياتنا في الاختيار، فمن بين جميع من يفتقرون للبرنامج المقنع، هناك تفاضل، على الأقل في البرامج الأكثر إقناعاً، أو التوجهات الأقرب لذوق الناخب، أو الأقدر على فهم ومعالجة جراح بلده.
شخصياً استبعدت في ترتيب سلَّم أولوياتي جميع المتشحين بأسمال الطائفية، بالذات من كشروا هذه الأيام عن أنياب مخيفة وأخذوا يروجون خطاباً طائفياً استغفالياً لا يناسب ناخباً كامل الأهلية، بل ناخباً مغفلاً.
مثل هؤلاء يريدون أن يمارسوا عملية استغفال، على طريقة الاستحمار التي حذر منها علي شريعتي.