لا بد من أن أعترف الآن أن متابعة مشعان الجبوري وفقراته التلفزيونية أصبحت أمراً مغرياً، فلم أضحك على مشاهد كوميدية مثلما ضحكت على البرنامج الذي صال وجال فيه مشعان الجبوري من على قناته المناضلة "الشعب".. ربما لأن النكات التي ألقاها على مسامعنا صاحب قناة الزوراء سابقا، وفي ما بعد الرأي التي موّلها القذافي، ثم الشعب حاليا التي سجلت طابو باسم السيد المالكي، هي نكات من النوع الذي يضعك في حالة مزاجية لا يشوش عليها سوى خوفك من أن ينالك "بوكس" من التي يخبئها المالكي في أدراج مكتبه.
وهذا ما جعلنى لا أرى في برنامج مشعان التلفزيوني جديدا سوى تأكيد ركاكة من يلعبون بالوقت الضائع في ساحة السياسة العراقية، بدءاً من صاحبة " الحذاء " الذهبي وانتهاءً بالنائب الذي قرر في لحظة إلهام استنساخ السيد المالكي
برنامج مشعان الجبوري التلفزيوني فضح إمكانات سياسيي الصدفة، لا إمكاناته وحده.. وبدا أنه إعلان عن نوع بضاعة منتهية الصلاحية، فهو لم يكن سوى تركيب كلمات لا رابط بينها ولا معنى: محاربة الفساد، جئت لإنقاذ الأرامل، سنخوض حرباً على الفاسدين.. ولم ينس أن يضع لنا جملة مثيرة من نوعية "نطالب السياسيين بأن يعودوا إلى رشدهم"، كلمات يبدو أن الرجل يقولها بشكل مفرد، ثم يعيد إنتاجها مع ضحكة مجلجلة يريد أن يقول لنا من خلالها "أنا موجود" اذن نحن امام كوميديا تتحدى العقل السليم، يقدم من خلالها مشعان الجبوري نفسه، مدافعا عن إقامة دولة الرجل الواحد والحزب الواحد، الكلمات نفسها التي سبق أن سمعناها من على قناة "الزوراء"، يتغير فيها الموقف على قناة الشعب ليتحول رئيس الوزراء من "عدو يجب استئصاله" إلى "ابن الشعب البار" طبعا نعرف جيدا من يحرك مشعان من وراء الكواليس، وكيف استطاع توأمه السيامي عزت الشابندر بلعبة شطارة ان يجعل من صاحب قناة الشعب احدرجال دولة القانون
برنامج مشعان ذكّرني بصولاته السابقة حين خرج علينا ذات ليلة ليقول: أنا وقناتي الفضائية في خدمة قائد الجمع المؤمن معمر القذافي، وليتحفنا بسيل من الخطابات الهستيرية وأغاني أم المعارك ثم ماهي إلا أسابيع حتى استيقظ المناضل مشعان على كابوس مخيف، فقد عُثر على ملك الملوك مختبئاً مثل جرذ في أحد أنابيب صرف القاذورات، هكذا انتهى حلم مشعان بالقضاء على الإمبريالية الأميركية، ولم يجد مخرجا من ورطته سوى أن يبث للأمة العربية الخبر السار: القائد عزة الدوري يوجه رسالة لكم.
في كل مرة يدخلنا صاحب برنامج "اسأل ومشعان يجيب" في فصل جديد من فصول مهزلته الإعلامية ليضفي على الأحداث طابعا ساخرا، بعبارات باتت اليوم تجسد أسوأ ما في تفكيرنا، ولأنني أفهم أن يكون مشعان الجبوري حريصا على دفء العلاقة مع الدوري وقبله القذافي، باعتباره واحدا من مقاولي السياسة الجدد الذين تعبت الطرق من مشاويرهم ذهابا وإيابا من اجل الحصول على المال، لكنني لا أفهم بالمرة أن يبادر القضاء العراقي على تبرئته ومحاولة رد الاعتبار إليه تثمينا لموقفه الشجاع وتأييده لإجراءات رئيس الوزراء نوري المالكي ضد كل من تسول له نفسه المطالبة بتوزيع الصلاحيات في الدولة العراقية.
إن الذاكرة العراقية لا تزال تحتفظ بصورة مشعان الجبوري مطروداً من قبل أهالي الموصل، وتحتفظ بشكل خاص بصورة النائب مشعان وهو يهرّب ملايين الدولارات المسروقة من أموال العراقيين تحت سمع وبصر الحكومة، سيقول البعض أن حالة "مشعان" هي جزء من الإسفاف السياسي الذي يتحول إلى مسخرة، إلا أن حالة العديد من سياسيينا تبدو أشبه بالمأساة حين نسمع ونتامل كيف يفكرون، ونراجع العديد من تصريحاتهم التي لا تختلف كثيرا عن مضمون الخطاب الذي يقدمه صاحب قناة الشعب. وإذا كان مفهوما أن تنحو ردود مشعان الجبوري باتجاه القذافي وبشار وأن يخرج رافعا راية نصر الزعماء التاريخيين ، فإن من غير المفهوم أن يرفع المناضل مشعان شعارات جديدة يؤيد فيها قرارات المالكي بشان حكومة الأغلبية، وإقصاء الآخرين، ويتبجح بأنه عائد من أجل أن يخوض حربا شعواء لإقامة "دولة القانون"، وليشكل ثنائياً كوميدياً مع النائب عزة الشابندر، "الشريكين مع رهط من امثالهما في الداخل والخارج"، يذكرنا بأبرز مضحكي القرن "لوريل وهاردي" من أجل أن يظل العراقيون يعيشون مرحلة إسفاف سياسي جديد شعارها: أنا ومشعان على كلّ من يقف في طريق تنفيذ وصايا المالكي.
وأنا أستمتع بآخر فقرات برنامج "أنت تسأل ومشعان يجيب" ضحكت.. واكتشفت أن هذه هي الخدمة الوحيدة التي قدمها لي مشعان.. لقد كسر ما تبقى من هيبة السياسة والسياسيين، من الصنف المقرر هذه الايام، وحطم صورة العملية السياسية التي كنا نتوهم، أن أصحابها ساسة، يسعون لبناء "دولة القانون والمؤسسات"، ولو بنسخة مشوهة، فإذا هم مهووسون بالسخرية من أنفسهم.
جميع التعليقات 5
رمزي الحيدر
موضوع مشعان و العصابة التي أتت به الى الحياة السياسية من جديد ، هو مؤشر على أنحطاط الوضع السياسي و الاجتماعي في العراق و مؤشر رئيسي على أن العراق سائر نحو الهاوية ، لكن الشئ الغريب أن العراقيين ليسوا مبالين بماذا يحدث لهم .
خليلو....
إنّني،أعلق وأنا في غاية الغضب لاأجد شئاً أقوله في حق هؤلاءسوى تذكر عباس بيزه و قول:- إنه كان أشرف من كثيرين منهم...غذراً لرد الفعل القاسي جداً أيها العزيز علي حسين .عذراً مرةأخرى
كاطع جواد
عندما قرأت مقالتك، ذهبت مباشرة الى جهاز التلفزيون باحثا عن قناة الشعب وأخيرا وجدتها ، فوجدت شخصا شبه مجنون يتقمص شخصية صدام حسين يحيط به المرتزقة والراقصين وهم يغنون و( يدبكون) بقدوم المنقذ مشعان الجبوري ، رجل مثير للغرابة تبدوا على ملامحه سمات و حركات
محمد الغريري
النائب الشر...قاطي مشعان وعلى ذمة من روى لي هذه الحادثه انه عند دخوله مع القوات الامريكية...اقام وليمة كبرى لشيوخ الجبور في نينوى وصلاح الدين وكعادته في اطلاق الصواريخ طراز مشعان1 و2 قال لهم انه كان من اهم اسباب اسقاط صدام حسين وانه لم يتعاون مع الامريكان
عمار
لمعلوماتك يا استاذ علي ان احد الشهود في احدى قضايا فساد (مشعان المالكي) وخلال الادلاء بشهادته ضد مشعان اعتبرته المحكمة شريك في الجريمة وحكم 6 سنوات(هسه اذا هيج غير تحكمون الفاعل الاصلي 10 سنوات مثلا؟؟؟؟؟)وقضى الشاهد المحكومية بسنواتها الستة زائد سنتين (اك