TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الصرامة في تطبيق القانون

الصرامة في تطبيق القانون

نشر في: 21 إبريل, 2013: 09:01 م

أن السلوك الحضاري تُسهم في تشكيله عدة عوامل. منها التربية الأسرية الصحية، والتربية المدرسية السليمة، والتنشئة الاجتماعية الفاعلة. لكن من أهم العوامل التي تقف وراء تَشكّل السلوك السّوي للفرد وتطّور المجتمع إعلاء شأن القانون وتطبيقه تطبيقاً صارماً.

وكلمة "صارماً" هنا جوهرية. فالمجتمعات المتحضّرة تجد التزام الأفراد فيها بالأعراف والقواعد والنظم والقوانين التزاماً كبيراً. ومع ذلك تجد تلك المجتمعات غاية في الجديّة والصرامة في تطبيق القانون.

وأهم ما يميّز تلك المجتمعات عدم التهاون بأي اختراقات أو السماح بأي استثناءات للقانون. فلا أحد فيها فوق القانون، بما في ذلك رأس الدولة وعلية القوم. لا بل يكون التطبيق أكثر صرامة كلما علا شأن الفرد في الدولة.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا تجد تلك المجتمعات – وهو عكس ما يتبادر للذهن للوهلة الأولى – تتراخى في تطبيق القانون عندما تجد الناس ملتزمين به. فعين القانون ساهرة طوال الوقت لا تنام، حتى وإن قلّت المخالفات أو انعدمت. لأنك إن تراخيت ثانية واحدة أو قبلت استثناءً واحداً أو تسامحت باختراق واحد فرط الأمر كله تماماً مثل سلسلة الدومينو.

ما أزال أذكر قصة حصلت معي وصديق في الثمانينات من القرن الماضي عندما دعاني إلى جلسة في احد مقاهي ابي نؤاس  . كنا جالسين نأكل ونشرب ونتحدث، وكانت سيارة شرطة نجدة تحوم حول المتنزّه لساعات. قال صديقي: "أتدري لماذا تحوم هذه السيارة حولنا؟" قلت: "كلا". قال: "رقم سيارتي مشوه من اثر ضربة سابقة  ، وهم ينتظرون قيامي بقيادة السيارة لإيقافي ومخالفتي، إذ لا يستطيعون مخالفتي قبل الدخول في السيارة وقيادتها". وبالفعل بعد الجلوس طيلة العصر في المتنزه توجهنا نحو السيارة،  وقادها صديقي لحقت به سيارة الشرطة وأوقفته وخالفته. لم يَملّ رجال الشرطة ولم يغادروا ولم يتغاضوا ولم يتقاعسوا ولم يتسامحوا ولم يهدأ لهم بال حتى خالفوا صديقي، مع أنهم كانوا في غاية الأدب عندما أصدروا له المخالفة، التي تقبّلها صديقي برحابة صدر، واعتذر ولم يجادل.

هذا هو القانون، وهذا هو احترامه، وهذا هو الدأب على تطبيقه.

في مجتمعنا، هناك قوانين. ومعظمها قوانين جيدة وملائمة. لكنها، في الغالب الأعم، لا تُحترم ولا تُطبّق. وإذا طُبّقت، يكون التطبيق موسميّاً أو انتقائيّاً. وهذه مشكلتنا الكبرى في عدة سياقات.

خذ مسألة المرور، لماذا لا يلتزم بعضهم "وأقول بعضهم لأن المعظم يلتزم" بقواعد المرور، سائقين ومشاة؟ الأنهم لا يعرفون الممنوع؟ الأنهم لم يقصدوا المخالفة؟ كلا. الكل يعرف أن تجاوز السرعة ممنوع واستخدام الهاتف النقال ممنوع و إلقاء أعقاب السجائر والقمامة من نافذة السيارة ممنوع. لِمَ يخالفون إذاً؟ لأن هناك تراخيا في تطبيق القانون ولأنهم ينجون بأفعالهم تلك معظم الأحيان..

ويتحدث الناس عن العنف في الشارع وفي المدارس . الطلاب الذين يمارسون العنف – وهم بالمناسبة قلة قليلة فالأغلبية ملتزمة، مثل الأغلبية في الوضع المروري أو الوضع المؤسسي أو الوضع المجتمعي – لا يعرفون أن حمل المسدس داخل الحرم الجامعي ممنوع، أو أن ضرب زملائهم أو تجييش عائلتهم أو عشيرتهم للهجوم على طالب أو مجموعة من عائلة أو عشيرة أخرى ممنوع؟! يعرفون، لكنهم يعرفون – كما يعرف السائق المتهور أو قاطع الشارع الأرعن أو الفرد الذي يمارس الوساطة والمحسوبية أو المسؤول المنحرف – انهم سينجون بأفعالهم وانهم فوق القانون.

"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".

نعم، تطبيق القانون هو الحل .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram