كتبت في عمود سابق عن احتمال تعرض الكائن البشري لعملية تدْجين غيَّرت من بعض طبائعه، لتكون أكثر ملائمة للتعقيدات المستمرة في حياته الاجتماعية. واليوم أريد أن أكمل عن الموضوع بإيراد قضية تكشف بعض أبعاده؛ فمثلاً، ليست هناك علاقة دم تربط الإنسان بأفراد عائلته، إذ الأخوَّة والأمومة والأبوَّة، علاقات تنشأ نتيجة لما نسمّيه بـ"العِشرَة"، أي تَعَوّد أفراد العائلة على بعضهم نتيجة لارتباطهم بحياة ومصير مشتركين فترة طويلة.
هذا الموضوع شرحته في مقالات سابقة، وتشرحه عقدتي أوديب والكترا. فأوديب تزوج أمه واستمتع بمعاشرتها، وهو يعتقد بأنها غريبة، وكذلك الكترا التي استمتعت بالفراش مع أبيها وهي تعتقد بأنه غريب. ولو كانت للعلاقات العائلية أسس جسدية، أي لو كانت العلاقات العائلية مرتبطة بالوراثة ومتكونة بسببها، لاكتشفتها الكترا واكتشفها أوديب -بشكل أو بآخر- ولتجنبا الخطيئة، ولشعر أي يتيم يعيش داخل عائلة ما بأنه غريب عن أبويه بالتبني، دون أن يحتاج لأن يخبره أحد بهذه الحقيقة.
ما أريد الوصول إليه أن العلاقة التي تربط أفراد العائلة -ومع أنها ناتجة عن العشرة فقط- متينة وراسخة لدرجة تجعل العلاقات الجنسية بينهم محرمة بدرجة كبيرة، وأن ممارسة الجنس بين المحارم لا يمكن حتى التفكير بها؛ لأنها تثير القرف والاشمئزاز، ما يعني أن رفض العملية الجنسية بين المحارم تحوَّل إلى طبيعة ضاربة بأطناب الذات البشرية مع أنها طبيعة طارئة؛ وهي متأسسة على الذكريات التي جاءت بسبب العشرة، ما يعني أنها لم توجد مع وجود البشر بل تم تكريسها تلبية لضرورات اجتماعية أو دينية، هي طبيعة جاءت بسبب التدجين إذاً.
طيب، لا خلاف على أن التدجين الذي أدى لتحريم الزواج بين أفراد العائلة هو تدجين مفيد، وبدونه لا يمكن للعائلة أن تتأسس ولا للمجتمع أن يتماسك، لكن ما أدرانا بأن هناك عمليات تدجين أدت لفقداننا الكثير من الصفات والطبائع المفيدة لنا؟ بل وهناك سؤال آخر يتأسس على هذا السؤال، هو؛ هل يمكن لنا أن نعيد تلك الطبائع، في حال استطعنا أن نمتلك تصوراً ناجزاً عنها؟ وسؤال ثالث ينتج عن السؤالين السابقين، هو؛ هل أن عملية التدجين التي نقوم بها وننتهك من خلالها طبيعتنا الأصلية، مستمرة؟ بالنسبة لي وكلما تأملت في الموضوع، أجزم بأن عملية تشويه ذاتنا الأصلية لم تصل الى نهايتها بعد، بل أن مستوى التدمير الذي ستصل إليه لن يقل شأناً عن التدمير الذي سيلوح الطبيعة بسبب محاولتنا تطويعها لتكون أكثر ملاءمة لحاجاتنا.
"زنى" المحارم
[post-views]
نشر في: 21 إبريل, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 3
سوسن أحمد
الموضوع مثير جدا ...لطالما تساءلت حين أسمع قصة آدم وحواء ...كيف هذا الاختلاف والكل في النهاية أخوة ...ولا تقنعني قصة البدائل في الزواج الأول بعد آدم وحواء حين أجبت حواء توأمين ذكر وأنثى في كل مرة فكان حل المشكلة أن يتزوج كل ذكر أخت التوأم الآخر الذي هي في
علاء المشايخي
ما ذكرت من ان تجريم العلاقه الجنسيه بين المحارم سببه ما عبرت عنه بالتدجين محل نضر بل لا يمكن تسليمه لأنه ثبت وبحسب الهندسه الوراثيه ان الابناء يحملون نفس الصفات تاوراثيه للابوين فلو كررنا العمليه مره تلو اخرى لنتجت عندنا كائنات ضعيفه ومشّوهه بل لأدى ذلك ل
علي الوهدمة
قبل كل شيء اعتقد انني اؤمن بان كل شيء قبيح قد جرمه الشرع المقدس لانه قبيح عقلا وهذا ما صرح به كل كتاب منزل من السماء ..بعج ذلك فان العلاقة المحارمية هي اسوء ما قد يكون لو تبناها بني البشر لان الانسان ميزته العقل والقدر على التقدم والرقي ( الحضارة ) مهذا م