TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > طنكيرة الصباح

طنكيرة الصباح

نشر في: 22 إبريل, 2013: 09:01 م

في أيام المراهقة كنت أفخر على أخوتي باختلاف مزاجي عنهم عند الصباح. كانوا، كلهم تقريبا، حين يستيقظون صباحا وجوههم "ما يكصها السيف" حسب تعبير المرحومة أمي. يرفضون الحديث ولا يمانعون في كسر أي شيء يقع تحت أيديهم إن أنت ألححت عليهم بسؤال. الحديث ممنوع عند الصباح في بيتنا. من حسنات حظي كنت كبيرهم يوم كانت للأخ الكبير في ذلك الزمان مكانة تحميه وتمنحه بعض الحقوق. تلك المكانة كنت أستغلها، لأمزح معهم وهم في تلك الحال. في الحقيقة، لم أكن أمزح بقدر ما كنت "أنصب" عليهم، كما نقول بالشعبي. أغني، أصيح، أصجم، أصفق وأدغدغ بعضهم أحيانا. تهرع أمي لإبعاد أي شيء قريب من احدهم خوفا من أن يكسره بعد أن تفشل محاولاتها معي لتركه بحاله.
الإنسان الطبيعي عندما ينام يضع مخدة تحت رأسه، وهذا ما يفعله إخوتي عند النوم. لكن فيهم من يضع الوسادة على رأسه عندما يستيقظ خاصة في الصيف. وحين لا يتحمل حرارة الشمس ويضطر للنزول من السطح  يجلس عند أول "باية" في الظل. والويل لمن يمر بقربه أو يقول له من رخصتك طالبا النزول أو الصعود. أتذكر واحدا من أخوتي يجلس قبالة المغسلة أكثر من ساعة لا يعمل شيئا غير الصفنة. مرة زعل عليّ زعلا شديدا، لأني أثقلت عليه بالمزاح كي أخرجه من صفنته وأخلّصه من تقطيب جبهته وحاجبيه. طال زعله فاحترت كيف أراضيه. ذات يوم، بعد ان صفن ساعات طوال، نهض فتعثر بمشيته. لم أقل له "اسم الله" ولا على كيفك بل جبته "بزيج" قوي فضحك، وتراضينا. كان طيبا قبل ان يتغير لأسباب "عقائدية"، كما يقول اليوم.
كان ذلك "الزيج" اكتشافا رائعا شكرتني عليه صغرى أخواتي فصارت تطالبني باستعماله ضد أي من إخوتها إن وجدته "امعنّط", و "امعنّط" هذه كلمة اخترعتها أمي لوصف المتوتر أو من يرفض الكلام. الوالدة لديها قاموس مليء بمفردات لا أظن أحدا يستعملها غير عائلتنا.
تذكرت أيام المراهقة وإخوتي حين وجدت نفسي، صباح هذا اليوم، متكدرا لا أطيق الكلام ولا الحديث ولا أرغب حتى في مغادرة فراش النوم. "امعنّط" من رأسي حتى قدمي. لم أعهد بنفسي أن وجدتها هكذا في صباح سابق. وددت أن أظل في السرير لكن الحاجة لكتابة هذا العمود أرغمتني على مغادرته. تساءلت عن سر هذه "الطنكيرة" الغريبة لكن ضاع عليّ الجواب.
تصفحت الانترنت أولا ثم تابعت بعض الفضائيات لأرى ما فيهما من أخبار حول نتائج الانتخابات. بعض التوقعات، أو أغلبها، حول النتائج  تشير إلا أننا سنعود لنفس الطاس ونفس الحمام: ظلام وخوف وتفجيرات وكذب ويبقى الوجه "المعنّط" جاثما مثل "الچدمة" على صدر العراق. عاد صوت أختي يطالبني باستعمال السلاح القديم. استعملته ففارقتني "الطنكيرة" بعد أن ضحكت طويلا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. خليل النعيمي

    تحية وتقدير اني يوميا اطلع على اقلام المدى وكلش اتونس من اطلع على قلمك الي شوية يريح اعصابنه الله ينطيك العافية يا وردة

  2. جاسم الاسدي

    كنا في ايام الفقر احيانا لانجد مايؤكل نطبخ مركة هوى وهي عبارة عن بصل ومعجون وملح وماء تصير مركه نثرد بيها نعبي المعدة وفي العرف الشعبي هناك مثل هو الاكل حشو مصران اذا كان للحم او سمك او خبز ..ويبدو ان الاخ هاشم العقابي يستفيد من هذا المثل لكن بشكل اخر وهو

  3. المدقق

    يبدو ان حالتك هذه ستستمر طويلا لانكم خسرتم كل جهودكم التي بذلتوها في سبيل تسقيط المالكي وهذا الزيج سوف لن يفيدك في اخراج نفسك من الطنكيرة .. ويطبة مرض المايحب المالكي ...

  4. منير تركي

    اللهم ابعد الطنكيرة وكل من سبب الطنكيرة عن العراق وشعبه . تحياتي استاذ هاشم

  5. حامد المختار

    تحية طيبة نحن نعلم أن المقالات التي تكتب أما تكون لطرح موضوع عام أو لطرح تجربة شخصية للكاتب فيها عبرة وعظه للقاريء...أما أن يطرح الكاتب موضوع شخصي وعائلي ليس فيه أي شيءللتعلم أو لأخذ العبرة منه فهذا يعتبر حشو كلام وللاسف أن مقال الاستاذ هاشم العقابي يندرج

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram