لم يكن مدهشاً أو خارج السياق، الاستعراض شبه العسكري، الذي نفذه شباب جماعة الإخوان المسلمين الجمعة، في أحد شوارع عمان، فهذا التنظيم الذي نشأ في مصر عام 1928، كجمعية دينية، تهدف إلى التمسك بالدين وأخلاقياته، تحول للنشاط السياسي بعد 10 أعوام، حين طرح حلاً إسلامياً لكافة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، التي كانت تعانى منها مصر، وسعى لإقامة دولة إسلامية، ترفض العمل الحزبي، باعتباره نتاج أنظمة مستوردة، غير أن الجماعة عادت فانخرطت في الحياة السياسية، وترشحت لعضوية المجالس النيابية، ثم أنشأت حزب " الحرية والعدالة"، ونافست على منصب رئيس الجمهورية، وهي تسعى اليوم لأخونة الدولة المصرية، في مواجهة شرسة مع كل القوى الديمقراطية والعلمانية.
أسست الجماعة لنفسها تنظيماً سرياً بصبغة عسكرية، للقيام بمهمات خاصة، وتم تقسيمه لمجموعات عنقودية صغيرة، جرى تدريبهم على استعمال الأسلحة والأعمال الشاقة، والمبالغة في السمع والطاعة وكتمان السر، وبعد عدة اختبارات تتم طقوس جلسة البيعة، حيث يُدعى المرشح والشخص المسؤول عن تدريبه، إضافة لزعيم النظام الخاص، ويدخل الثلاثة غرفة مطفأة الأنوار، حيث يجلسون على الأرض، في مواجهة شخص مغطى برداء أبيض، يخرج يداه ممتدتان باتجاه منضدة عليها مصحف، ويخرج هذا الشخص مسدساً من جيبه، ويطلب من المرشح تحسس المصحف والمسدس، والقسم بالبيعة، وبعدها يصبح المرشح عضواً، يمر بأربع مراحل تدريبية تستغرق كل واحدة 15 أسبوعاً، يتلقي فيه برنامجا قاسيا في التربية العسكرية.
التجربة الأردنية مع هذا التنظيم، كانت استنساخاً للمصرية، ففي عام 45 نشأ فرع للجماعة في الأردن، واقتصر نشاطها على الندوات والمحاضرات والاحتفالات الإسلامية، والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشاركت عام 48 بسرية قوامها 120 رجلاً في الحرب ضد العصابات الصهيونية، وفي عام 1954 أصدرت بياناً قررت فيه أن الأردن جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، وإن الحكم بشريعة الله هو مطلب الإخوان وغايتهم، شارك الإخوان في الانتخابات النيابية عدة مرات، كما شاركوا بخمسة وزراء عام 1991، وفي انتخابات 1993 حصلت الجماعة على سبعة عشر مقعداً، وكتعبير عن انخراطها في العمل السياسي، أنشأت حزب جبهة العمل الإسلامي.
ليس مؤكداً بعد، إن كان إخوان الأردن سيواصلون استنساخ تجربة إخوانهم المصريين، خصوصاً على صعيد عسكرة التنظيم، اعتماداً على بداياته، التي تزامنت مع صعود الفكر الفاشي، وتأثر بعض قادة الجماعة بدقة تلك التنظيمات، التي ورّطت العالم بحرب عالمية انهزمت فيها، بعد أن حصدت أرواح الملايين، وهم من رفضهم المؤسس حسن البنا، لكن المهم اليوم، التأشير على أن أي خطوة في اتجاه عسكرة الإخوان، ستكون مرفوضةً من المجتمع الأردني، وأن مفاعيل مثل هذه الاستعراضات الصبيانية، لن تتوقف عند حدود التهليل لها في بعض الفضائيات، وإنما تنقل الحراك الشعبي السلمي، المطالب بالإصلاح، إلى مستوى الاعتماد على القوة، بدل الحوار، وهي نقلة شديدة الخطورة، كنا نظن أن الإخوان يدركون ردود الفعل المتوقعة حيالها، سواء من الدولة أو المجتمع، حتى لو ارتدت الشماغ الأحمر.
إخوان الأردن يلعبون بعدة أوراق، حتى ليبدو أنهم يتخبطون في سياساتهم، بسبب سيطرة أصحاب الرؤوس الحامية، فهم أميركيو الهوى، حين يتعلق الأمر بالتدخل العسكري المطلوب في سوريا، لكنهم رياء الناس، يرفضون اللقاء مع السفير الأميركي في عمان، وهم يتصدرون المطالبين بالإصلاح، ويتحالفون مع قياديين سابقين في الحكومات الأردنية، معروفة عند الجميع مواقفهم من أي معارضين، لكنهم انقلبوا إلى المعارضة، نتيجة أجندات شخصية واضحة، وهم أردنيون اليوم وحماسيون فلسطينيون غداً، والأدهى أنهم يتحدثون بلغتين، ويطالعوننا بعدة وجوه، ما أفقدهم صدقيتهم في الشارع، ولو توهموا خلاف ذلك، والمهم أن سيرهم على طريق العسكرة بفكر فاشي، سينقلب ضدهم بالتأكيد.