لم يكن منتظراً بعد القمة الأميركية الأردنية الأخيرة في واشنطن، وهي الثانية في أقل من شهرين، أن يعلن الأردن الحرب على سوريا. وكان طبيعياً التركيز على أنه لن يشارك في أي عمليات قتالية على الأرض السورية، ويتمنى حل الأزمة هناك عن طريق الحوار، وهو في واقع الأمر ينتظر اتفاقاً أميركياً روسياً على التفاصيل، وليس موقف الجيش الأردني من الخروقات العسكرية السورية، عند حدود البلاد الشمالية، بأكثر من التفسير العملي لهذه السياسات التي تتبناها عمان، وإن كانت بعض مفاصل الحكم ترى أن على الأردن الانضمام عملياً وعلنياً، إلى الحلف العربي الغربي المناوئ للرئيس الأسد.
التشديد على الموقف الأردني يأتي بعد رسالتين تلقتهما عمان من طهران ودمشق، الأولى كانت على شكل تهديد مبطّن أطلقه الرئيس السوري في مقابلة مع فضائية سورية، والثانية أتت على لسان رئيس الأركان الإيراني الجنرال فيروز أبادي وهو يتحدث عن دور الأردن في تهديد الأمن القومي لإيران والأمة الإسلامية. وإذا كانت السلطات الأردنية حذرت مراراً وتكراراً من عواقب الحرب ضد إيران، فإن بعض المحللين قرأ في الرسالة الإيرانية تحذيرا يتيح لعمان التلويح به في مواجهة الضغوط التي تتعرض لها من أكثر من طرف بالنسبة للملف السوري أولاً والنووي الإيراني بالدرجة الثانية.
تعرف عمان وتعترف أن موقعها الجيوسياسي يفرض عليها اتخاذ موقف واضح من ما يجري عند جارتها الشمالية، لكن إدراكها أنها الطرف الأضعف حين يتعلق الأمر بلعبة أممية ينخرط فيها الكبار، وليس بيد الصغار من أمرها شيء، دفعها كما لبنان إلى التمسك علناً بالحياد بين أطراف الصراع سواء كانوا محليين أو إقليميين أو دوليين، ولعل ذلك ما دفع اثنين من القادة السياسيين للاعتراف بأن البلاد تمر بوضع صعب ومعقد يستدعي وحدة وطنية جامعة، مع تحركات قوى مجتمعية، منها أقلية تؤيد نظام الحكم السوري، أو قوىً تؤيد معارضيه على خلفية مذهبية كما عند جماعة الإخوان المسلمين.
إذا صحّت التقديرات بأن الملف الإيراني يأخذ موقعاً متقدماً على السوري عند الإدارة الأميركية المنحازة للمخاوف الإسرائيلية، فإن حياد عمان يغدو مسألة مصيرية، لأن انحيازها لهذا المعسكر يعني اشتباكاً شبه مؤكد مع الجيش السوري، ومواجهة عمليات انتقامية يتحضر لها حزب الله اللبناني، حيث أن مهاجمة إيران تعني حرباً إقليمية، تتحضر لنتائجها الكارثية كافة الأطراف، ولا تتوانى طهران عن الجهر بها، وهي حرب قد يكون فيها فائزون لكن الأردن بالتأكيد لن يكون من بينهم، وهذا ما حتّم على السلطات الأردنية نفي فتحه الأجواء أمام الطيران الإسرائيلي لمهاجمة إيران، أو تكريس مناطقه الحدودية مع سوريا، للتحضير لعمليات عسكرية يقودها الأميركيون ضد نظام الأسد، انطلاقاً من محافظة درعا، التي تشهد تصعيداً عسكرياً لافتاً للانتباه، بين الأسد ومعارضيه.
مع كل ذلك سيظل الحديث عن الوجود العسكري الأميركي في الأردن، وتحديداً عند حدوده مع سوريا، مثار قلق عند النظام السوري، وإذا كانت عمان تبرره بتعاون تاريخي ومعلن بين البلدين، يستدعي التفعيل في هذه المرحلة، لمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية، ومخاطر وقوع الأسلحة الكيمياوية بيدهم، فإن دمشق تفهمه على نحو مختلف، وهنا يجد الأردن نفسه بين سندان الحياد في هذه المعضلة، ومطرقة الانحياز لأحد أطرافها وهي كثيرة.
الأردن بين مطرقة دمشق وسندان واشنطن
[post-views]
نشر في: 27 إبريل, 2013: 09:01 م