أثارتني واستفزتني كثيرا صورة السيف بيد حامله الذي يقف خلف إمام وخطيب صلاة يوم الجمعة في ساحة "العزة والكرامة" بالرمادي، الأمر الذي يعني الحرب، وإلا ما معنى السيف هنا؟
لكني تذكرت حقيقة السيف، العصا، البندقية التي يعتمدها بأيديهم شيوخ وخطباء المساجد الإسلامية في صلاة يوم الجمعة، عبر الدهور. التقليد الموروث عن السلف منذ قرن ونصف تقريبا والذي يبدو أن الصلاة لا تصح من دونه. والسيف هذا الذي شاهدته من شاشة قناة الفلوجة أو صلاح الدين هو ذاته الذي شاهدته في قنوات أخرى تبث لأهلنا في الوسط والجنوب وإن جاء بمعنى آخر، لكنه هو هو السيف بمعناه في الدم والموت وبطلان الحياة. ترى أما كان بالإمكان الاستعاضة عنه بشيء آخر؟
منذ أحداث الحويجة والزملاء المشتركون معي على صفحات الفيسبوك يلعنون انتماءاتهم الدينية –المذهبية حتى ذهب أحدهم إلى إعلان البراءة من طائفته،الأمر الذي لاقى استحسان وقبول أصدقاء آخرين، وهنا نتوقف طويلا أمام قضية الانتماء للطائفة. ترى ألا يستقيم إسلام العراقي إلا بانتمائه لطائفة ما؟ وماذا عن الانتماء للوطن الكبير، لتأريخه العميق في الحضارة الإنسانية، لدجلة والفرات وشط العرب، للسماء التي أظلته والأرض التي انطوت على أجساد أجداده؟ ماذا عن الانتماء لقيم الإنسانية إذا كانت "قيم الإسلام عبر الطائفة والمذهب" قد فرقت الناس وعملت في رقابهم السيف وأذاقتهم الموت والتشرذم وأورثتهم حرائق الدم غير المنتهية؟ أما من سبيل لتلافي ذلك مع الاحتفاظ بهذه التي لا دال على وجودها في صحة إسلامهم؟
في العراق والمنطقة العربية ربما، غالبا ما تفرز الحياة السياسية ونتائج الانتخابات بخاصة بعد المنعطف الأخير عن صعود شخصيات لو أنها تركت في الحياة لظلت عائمة لا احد يعيرها انتباها، لظلت ترعى في برسيم البرية دونما التفاتة من أحد ، وهي قضية يسهم فيها وبشكل رئيس اختيار الناخب وسوء تقديره أو اعتقاده الديني –الطائفي الضيق. وقد شهدنا على مر السنوات العشر الماضية سياسيين لو وجدوا في بلاد أخرى لما فكر فيهم أحد، ولظلّوا في أماكن تواجدهم سنين عددا لا تقلب حجارتهم إلا رياح النسيان.
وبسبب من بساطة الناخب، ها هم زعماء التيار الديني المتطرف يسوقون البلاد إلى ما يشبه الحرب، أو هي الحرب عينها. ها هم يتصارعون على تسلم أمر الناس ثانية داخل ائتلافاتهم وقبل الانتهاء من عمليات الفرز حتى، لا يحدوهم الحرص على بناء مستقبل البلاد والتفكير في إخراجها من مآزقها قدر ما يحدوهم انتصارهم على بعضهم وعلو بيرق الطائفة. ولا تجد بينهم إلا من تقدمته أفكاره الضيقة ورؤاه في تعميق هوة الاحتراب. وقد لاحظنا كيف عملت أحزاب طائفية كبيرة على تفتيت أحزاب مناوئة لها وبطرائق اعتمدت التآمر والدس والفرقة وشراء الذمم، تاركة مواطنيها يحتربون بينهم، والبلاد تدخل أزمة وتخرج من أخرى بعيدا عن مستقبلها في الأمن والتمتع بقيم الديمقراطية والعيش الكريم.
ستبقى صورة السيف تلك تطل على أعناقنا ما لم نتخلص من زعامات الاحتراب هؤلاء ، من الذين لا وجود لهم بيننا لو أننا اخترنا الولاء للوطن من دونهم.
ماذا لو فكرنا مليا بتأسيس حزب عراقي وطني خالص لا نعرف لقادته ديناً- طائفة- معتقدا خارج احترام آدميتنا، خارج رعاية دمنا ولحمنا وعرضنا؟، بعد أن كذّب علينا هؤلاء "المؤمنون" بقولهم في الشفقة والأخوة والرحمة، وقد اشتكى أكثر من عضو في أجسادنا ولم يتداع له أيُّ جسد من أجسادهم لا بالسهر ولا بالحمى.
أجساد لم يتداع لها سهر ولا حمى
[post-views]
نشر في: 27 إبريل, 2013: 08:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...