د. مهدي صالح دواي من أهم القضايا التي طرحها الأدب التنموي المعاصر مسألة تعدد خيارات الإنسان، لما تتضمنه من حقائق مجربة لكيفية تعايش الإنسان في بيئات متغيرة ومتداخلة على مستوى المجتمع المحلي وامتداداته الخارجية في عصر ما بعد الصناعة، وحقيقة الأمر إن مسألة تعدد الخيارات قد أقرتها الديانات السماوية في سياق إكرام الإنسان وإعلاء شأنه،
وهو يحمل رسالة عظيمة تتطلب المزيد من الفهم لفلسفات الخلق والحياة والانبعاث، فالطبيعة البشرية الفانية للفرد تحتم عليه استثمار قواه المتنوعة على الوجه الأكمل لضمان تحقيق الذات واعتمار الأرض وتجسيد الهوية الحضارية لوجوده. وتنسحب تلك الرؤى (ولو بقدر التنظير) على كل ما جاءت به الحضارات القديمة بأفكارها الطوباوية والواقعية، وإذا كانت تلك البدايات قد امتزجت بحقائق الدين والفلسفة واللاهوت، فإن التعاطي مع هذا المفهوم المعاصر قد أصبح يمثل معيارا دوليا لمدى تطور الشعوب أفرادا ومؤسسات وحكومات، فتوسيع خيارات الفرد يمكن أن تقود إلى رفع مستوى إنتاجيته الفكرية والعملية، والى تأمين حرية التعبير عن آرائه، والى الثقة العالية بالنفس، والقدرة على الابتكار والإبداع، وجملة هذه المزايا وغيرها تجعل من المورد البشري في حراك دائم نحو الارتقاء والتألق.فما نشهده اليوم من طفرات علمية واقتصادية وثقافية لا يمكن أن تتأتى من أنماط تقليدية للعمل، بل إن هنالك جهودا كبيرة تبذل لاستثمار المورد البشري وفقا لمعطيات العصر ومتغيراته المتسارعة، ففكرة (السوبرمان) الكارتونية أصبحت اقرب للواقع من الخيال في ظل تحول ادوار ومدارك النشاط الإنساني، فكان لزاما أن يعاد النظر بعلاقة الإنسان بالمكان والزمان، إذ أن الثورة العلمية والتكنولوجية في مجال الاتصالات أصبحت كفيلة بتأسيس أنواع متعددة من التخطيط والإدارة والتنبؤ وصولا لما هو ابعد من القضايا المحلية والإقليمية، وتبعا لذلك أصبحت عناصر السبق الدولي تقوم على مدى استثمار رأس المال البشري، وهذا لا يتم إلا من خلال إطلاق قواه الكامنة عن طريق فتح خياراته نحو التعلم والعمل والتواصل.ومنذ عام 1990 اهتم (البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة) بإظهار مفاهيم جديدة للتنمية البشرية قائمة على أدلة رئيسية وفرعية ترتكز على قاعدة بيانات واسعة تعامل إحصائيا وتحلل نتائجها وصولا إلى قياس حالة المجتمعات ومدى فاعليتها في احتضان تنمية بشريه مستديمة، وبهذا النمط تغادر أدبيات التنمية المفاهيم الضيقة للتطور، لتنتقل إلى آفاق أوسع أصبحت بموجبها التنمية عملية متواصلة لتوسيع قدرات الناس لأكثر من كونها زيادة منفعة، أو رفاهاً اقتصادياً، أو إشباع حاجات، وبهذا المعنى تشكلت للتنمية البشرية أبعاد عدة أهمها : التمكين، الإنصاف، الاستدامة، المشاركة، الحرية، فما أحوجنا لإرساء الذات الايجابية في ظل العديد من التراكمات السلبية الموروثة والمكتسبة عبر عقود عقيمة كان للفرد العراقي فيها خيارات أحادية، قادت بالتالي إلى تهميش الفعاليات العراقية بمسمياتها المتعددة، فأصبح العراقي يوصف بالمستهلك الشره بديلا عن المنتج المبدع، والمتلقي للأفكار بديلا عن المؤسس لها، والمنبهر المتفرج على الغير بديلا عن المبتكر الرائد، وجملة هذه التداعيات قد انعكست سلبا على المؤشرات الكلية للاقتصاد العراقي، وأنماط العمل فيه، فأصبحت سمات التبعية والفجوات الغذائية والتجارية والتكنولوجية الأكثر توصيفا للاقتصاد العراقي. إذن لابد من خطوط شروع جديدة لانطلاقة الشخصية العراقية، وهذا يتطلب إعادة قراءة موضوعية للإنسان العراقي بعدما عانى الكثير، فلا جدوى من موازنات فلكية من دون إجراء تلك المراجعات والقرارات لمجمل الفعاليات داخل العراق، وعلى هذا الأساس يمكن اعتماد عدة عناوين يمكن أن تتحدد من خلالها مسؤوليات الأطراف كافة.تعزيز لغة الأرقامففي عصر تحليل المعلومات لا يمكن أن تضع حلول من دون قاعدة بيانات رقمية للظواهر موضوع الدراسة، فإطلاق تقرير التنمية البشرية في العراق لعام 2009 سيسهم حتما في تحفيز الباحثين نحو المزيد من التحليل والتخطيط ورسم السياسات، ويمكن بهذا الإطار الاستفادة القصوى من فعالية التعداد السكاني العام في تأسيس انطلاقة لوضع دراسات ديموغرافية وسيكولوجية واجتماعية واقتصادية تدفع بالمجتمع نحو الواقع والمنطق والعقلانية بدلا من عشوائية القرارات وشعارات الجدران الملونة، فكل ما في العالم أصبح رقمياً حتى الظواهر غير المادية باتت تتعامل بلغة الأرقام فهذه اللغة أصبحت أكثر صدقا وتوصيفا من أنماط التحليل الخطابية.التعليم.. التعليم.. ثم التعليمفالتعليم ينبغي ان يكون مستمرا ونوعيا وابتكاريا لتطوير اللغة الحوارية للفرد العراقي بدلا عن أنماط التعليم المثيرة للخجل والمنكفئة على الذات، وعلى صلة بذلك تطوير البحث العلمي نوعيا من خلال وضع معايير وتقاليد خاصة لهذا الجانب الحيوي، ويرافق ذلك تأمين درجة قصوى من البعثات والإيفادات وتسهيلات السفر المدعومة لإدماج الشخصية العراقية (الأحادية الجانب) في الحواضر العربية والعالمية، فالملاحظ أن الدول المتقدمة تراهن بقوة على جدوى تلاقح الأفكار وفهم الآخر من اجل ترصين مكاسبها العلمية والثقافية.إنشاء وتطوير البنى التحتيةإن أكثر ما يلامس الشخصية بعد منظومة العلم هو سمات البي
تعدد خيارات الإنسان.. مسؤولية من؟
نشر في: 4 أكتوبر, 2009: 05:28 م