تؤشر الأخبار القاتمة القادمة من العراق أن سيناريو الحرب الأهلية، على أسس طائفية، بات خياراً مرجحاً، ما حدا بمبعوث الأمم المتحدة إلى العراق للإعلان عن أن البلاد تقف على مفترق طرق يقود إلى المجهول، ودعوة القادة العراقيين جميعا إلى تحمل المسؤولية، وطرح مبادرات جريئة، مثل الدعوة إلى حوار وطني، يشارك فيه الجميع، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة، في حين اتجهت الأمور إلى عسكرة الحراك الذي ابتدأ سلمياً منذ ما يقارب أربعة شهور، دون أن يلقى استجابة من الحكومة المركزية التي لجأت مؤخراً إلى لغة القوة في الحويجة بهدف الترهيب كما يقول معارضوها، لكنها وقعت في شرك سوء تقديرها لردود الفعل على خطوة التصعيد غير المبررة، في ظروف العراق الحالية، ودون أن تحسب تأثيرات ما يجري في الإقليم على بلاد الرافدين.
العسكرة التي وجدت صداها في سليمان بيك، امتدت إلى الأنبار، حيث ألقت قوىً خارجةً عن المعتصمين جمرها على قش قابل للاشتعال، في محاولة لإثارة فتنة لن ينجو من نتائجها الكارثية أحد، في حين كنا ننتظر أن تطرح حكومة السيد المالكي برنامجاً سياسياً توافقياً ينأى بالبلاد عن السيناريو السوري الذي كشف المالكي عن تأثيراته في الساحة العراقية، مع ضرورة إدراك أن العراق يمر بمرحلة لن يتمكن من عبورها سالماً بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع وأرقامها الجافة، فيما هو يحتاج إلى لمّ الشمل والتوافق على برامج الحد الأدنى، وبديهي أن ذلك لن يتم في ظل أي ممارسات ترتدي لوناً طائفياً، ستكون منفذاً تنتظره القاعدة بصبر فارغ، وهي التي تنتعش في أجواء كهذه، وتجد فيها متنفساً لأحقادها.
ليس كافياً أن يعلن المالكي أن الطائفية شر، وأن رياحها لا تحتاج لإجازة عبور من بلد إلى آخر، وأن الفتنة التي تدق طبولها أبواب الجميع، لن ينجو منها أحد إن اشتعلت، وليس كافياً أن نسمع أصواتاً نيابية، تحذر من تطور الأزمة الراهنة إلى سوريا ثانية، وأن تشكيل جيش عشائري مسلح في المنطقة الغربية، سيؤدي إلى وجود جيشين يتهم كل منهما الآخر بالطائفية، وليس كافياً أن نسمع من كردستان تحذيرات، بأن الآليات في العراق، وسوريا قد تندمج في آلية واحدة، مع عواقب وخيمة، وليس مجدياً توصيف ما يجري بأنه تمرد سني، قد يؤدي إلى إلغاء الحدود بين العراق وسوريا، حين تصبح للمقاتلين قضية مشتركة، ضد المالكي والأسد في آن معاً.
ونسأل، هل استمع القادة العراقيون إلى اللغة السائدة اليوم، وهي تحث على التشنج والكراهية بين مكونات الشعب الواحد، من قبيل أنه لم يعد أمام الجميع سوى المواجهة المسلحة مع الحكومة، أو إعلان إقليم يحفظ كرامة السنة، والرد على هذا بالقول إن ما يجري من قبل أعراب القوم وأجلافهم يحتم الوقوف موقفاً ينسجم وحجم التحدي، وأن أبناء علي والحسين والخميني والصدر، سيذيقون الطرف الآخر مر الهزائم، لأنهم في المعادلة أصغر وأحقر! وهل يدرك هؤلاء الساسة أن هذه اللغة المتشنجة تولدت من تصرفات بعضهم، المثقلة بأحاسيس طائفية عند طرفي المعادلة، وأنها مؤشر إلى حجم الكارثة المحيقة بالعراق وأهله.
لا يعني كل هذا الخراب أن ليس في العراق عقلاء يدعون للتوافق على أساس محاسبة المخطئين من الطرفين، وتحميلهم مسؤولية ما اقترفته أيديهم، ولا يعني أن الفرصة فاتت لتجاوز هذه المحنة، على أساس أن المواطنة هي الأساس، وأن من الواجب أن تقتصر المشاعر الطائفية على العبادات، وأن لا تنغمس في السياسة، فتتأذى هي والسياسة معاً، ويتأذى معهما العراق والعراقيون، بغض النظر عن طوائفهم وقناعاتهم المذهبية.
كي لا يتجه العراق إلى المجهول
[post-views]
نشر في: 28 إبريل, 2013: 09:01 م