بإغلاق الحدود العراقية الأردنية فجر اليوم ولمدة 48 ساعة بناءً على قرار من بغداد، وهي خطوة تعني التعامل بخشونة مع محتجي الأنبار، تكون الأزمة العراقية دخلت فصلاً جديداً، يؤشر البعض أن الحرب المذهبية ستكون الوجه الظاهر له، وبما يثير مخاوف حقيقية من بروز فكرة تقسيم العراق مجدداً، خصوصاً في ظل التوتر القائم بين بغداد وأربيل، وما تبعه من توتر بين حكومة السيد المالكي، وسياسيي المحافظات الغربية الذين يمثلون الطائفة السنية، التي تشتكي من التهميش، وعلت فيها مؤخراً أصوات تدعو لإنشاء إقليم شبه مستقل عن الحكومة الاتحادية، وإن أضفنا إلى ذلك أن بعض ممثلي الطائفة الشيعية السياسيين، لايتفقون مع سياسات المالكي، تكتمل الصورة المتشظية للدولة العراقية، بعد مرور عشر سنوات على إطاحة صدام حسين، وبعد انسحاب القوات الأميركية، التي ضمنت بالقوة وحدة البلاد، وتركتها بين يدي سياسيين، لم يتقنوا التعامل معها كرجال دولة، وانصرفوا لتنفيذ أجندات شخصية وحزبية، وكأن العراق ليس وطنهم الأبدي.
قبل إغلاق الحدود، كان قرار بغداد بإغلاق عشر فضائيات، اتهمت بالترويج للفكر الطائفي، يشكل مجزرة إعلامية، استثنيت منها كل الفضائيات المتعاطفة مع الحكومة، وهي على حد معرفتنا ليست بريئة من الانحياز الطائفي، ما يعني أن القرار استهدف معارضي المالكي، ولم يستهدف الشحن الطائفي، وبهدف يبدو أنه طمس كل صوت معارض، والاستفراد بالفضاء الإعلامي، وبديهي أن ذلك لن ينجح، لأن كل الفضائيات المستهدفة تمتلك القدرة على مواصلة البث، وربما كان قرار إغلاقها لصالحها حيث باتت معروفة أكثر لدى المواطن العراقي، ومطلوب متابعتها، المدهش هنا أن يصدر هذا القرار، في حين تنشأ فضائية جديدة، يديرها مشعان الجبوري، المعروف بأنه أكثر وأسوأ من روج للطائفية، قبل أن يستكين تحت جناح المالكي.
ما يجب قوله اليوم، أن كل الخطوات التي اتخذتها حكومة المالكي، لم تكن في مصلحة العراق، وللإنصاف فإن خطوات معارضيه لم تكن أفضل حالاً، وهي جميعاً تشكلت كردود فعل، وأخطر ما فيها هو الزج بالجيش العراقي في أتون معركة ليست له، وبما يحوله إلى عدو لفئة معينة، بدأت فوراً باتهامه بالطائفية، مع أن المفترض أن يكون السياج والحامي، والممثل للشخصية العراقية الوطنية فوق المذهبية، ويظل أن الوجه الناصع، المغاير لكل ما يجري في بلاد الرافدين، يتمثل في المرجعية العليا في النجف الأشرف، وبالشيخ السعدي، وهما صوتان يرتفعان اليوم ضد كل ما يفتت وحدة العراق والعراقيين، وهما يمثلان بحق الصورة الناصعة لما يجب أن يكون عليه الحال، بخلاف الأصوات الناعقة النافخة في كير التحشيد الطائفي، مع أن بعضها ينتمي للمؤسسة التشريعية، التي نفهم أن كل واحد فيها يعدّ نائباً عن العراقيين كافة، وليس عن الطائفة التي ينتمي إليها.
انزلاق العراق إلى صراع طائفي، شبيه بما مر به قبل سبع سنوات، سيعيد تشكيل الاصطفافات على صعيد المنطقة، فالمعارضون للمالكي يلتقون مع معارضي الأسد، على جغرافيا ممتدة ومتصلة، وحكومته ستكون جسراً بين طهران ودمشق، وفي البؤرة من هذا الحريق، يجد الأردن نفسه متورطا برغم إرادته، وهو بعد استقباله مئات آلاف اللاجئين السوريين، يبدو وكأنه على أهبة تكرار تجربته مع اللاجئين العراقيين، وبعضهم ما يزال مقيماً في عمان، وليس بيده غير الوقوف على الحياد بين المتصارعين، ومع أن موقعه يفرض عليه غير ذلك، فإن إمكاناته لا تؤهله للعب دور رئيسي، وتفرض عليه التعامل مع نتائج لم يكن طرفاً في بلوغها، وهو لا يملك غير السعي الحثيث لمنع تفجر الأوضاع، معتمداً على صدقيته مع الغرب، وهي صدقية لا تحظى برضا الكثيرين في المنطقة.