يعد المخرج العراقي المغترب جمال أمين صاحب تجربة مميزة بإخراج الأفلام الروائية القصيرة ، فقد خاض تجربة إخراج هذا النوع من الأفلام ، وحقق فيها نجاحا كبيرا ، بشهادة العديد من النقاد وكذلك بدليل الجوائز التي حازت عليها هذه الأفلام.واحد من أهم
يعد المخرج العراقي المغترب جمال أمين صاحب تجربة مميزة بإخراج الأفلام الروائية القصيرة ، فقد خاض تجربة إخراج هذا النوع من الأفلام ، وحقق فيها نجاحا كبيرا ، بشهادة العديد من النقاد وكذلك بدليل الجوائز التي حازت عليها هذه الأفلام.
واحد من أهم هذه الأفلام هو فيلم اللقالق ، الذي يعد من أهم الأفلام التي تناقش موضوع التعايش وتقبل الآخر في المجتمعات الغربية ، لاسيما الجيل الثاني من المغتربين .
جمال أمين ، استطاع خلال دقائق الفيلم القليلة ان يوصل رسالته الإنسانية الكبيرة من خلال مشهد واحد ، تجري أحداثه في احد المتنزهات العامة حيث يلتقي بطله محمد بصديقة طفولته الشابة ماري ، ويتضح من خلال حوار بسيط طول الفترة الزمنية التي تربطهما ، ويلمح جمال ومن خلال هذا الحوار ، الفارق والتمييز الذي يتعرض له الوافد ، فمحمد الذي يتمنى أن يصبح طيارا ، لم يستطع ان يحقق حلمه ، ويعمل الآن جزارا ، فيما صديقته ابنة البلد أصبحت معلمة في نفس المدرسة التي درسا فيها ، معا ، خلال سيرهما يعبران جسرا خشبيا أراد جميل من خلاله ان يؤكد صعوبة عبور هذا الجسر معا بسبب اختلاف الثقافات وعدم تقبل الآخر .
فتاة صغيرة تقود دراجة هوائية تصطدم بمحمد في منتصف الجسر ، فتسقط وتنعته بالغريب العفن ، فيرد عليها بكلمات نابية ، هنا استطاع جمال أمين أن يؤكد عدم الاندماج أو استحالة تحقيقه بشكل كامل ، إذ جعل محمد يرد على الفتاة الصغيرة بلغته الأم اللغة العربية.
صديقته تنحاز الى الفتاة الصغيرة وتطلب منه ان يعتذر لها ـ لكنه اخبرها إنكم تعلمون الجيل الجديد ، الكراهية لنا ، يشتد الجدل بينهما ، لكن النهاية شتائم يتبادلها الاثنان ، وكل بلغته ، وصوت اللقالق في الأعلى بدلالتها الواضحة كطيور مهاجرة .
جمال أمين أرسل ما أراد إرساله وبدقائق معدودة ، وبذلك استطاع ان يؤكد مقدرته على صناعة الفيلم الروائي القصير ، الذي يظن بعضهم انه سهل ، ولكنه في حقيقة الأمر أصعب بكثير من الفيلم الروائي الطويل ، لكون وقته مضغوط وبالتالي يجب على صانعه ان يقول كل ما يريد قوله في دقائق معدودات .
الفيلم الثاني القصير لجمال أمين هو قطع غيار ، يتحدث عن ثلاثة جنود كل من ديانة وقومية مختلفة ، اثنان منهما فقدا بصرهما والآخر أصيب بالجنون ، في معركة الانسحاب من الكويت ، وضرب القوات الأمريكية للجيش العراقي المنسحب بقنابل اليورانيوم الذي يذيب كل شيء .
في البداية يقول احد الجنود :" إن صدام حسين كان عادلا جدا ، فقد وزع الموت والقتل على كل البيوت العراقية بالتساوي " هذه هي ثيمة الفيلم التي أراد جمال أمين قولها ، وكذلك أراد ومن خلال بعض المشاهد الوثائقية للجيش العراقي المدمر أن يؤكد على هول الجريمة التي ارتكبها الأمريكيون ولم يجر الحديث عنها أو التطرق إليها سينمائيا بشكل كبير ومؤثر .
فيلم آخر هو فيلم حسن ، عن فنان تشكيلي ، غادر العراق في تسعينات القرن الماضي ، لكنه لم يستطع التآلف مع المكان ، ومهما رسم من لوحات فهي لا تشغله عن التفكير بوطنه .
مشهد مؤثر وذو دلالة عميقة ، اختزل فيه أمين كل الذي يمكن أن يقوله المغتربون ، لقطة متوسطة للفنان حسن ، وفي الخلف تبدو تلال السويد وبيتها بسقوفها ذات القرميد الأحمر ، المشهد يجعلك تشعر ان هذا الوجه بسحنته السمراء لا ينتمي لهذا المكان وثمة خط طويل يفصل بين مؤخرة رأسه وبين التلال البعيدة .
إذن المنفى لا يمكن ان يكون مكانا أليفا أبدا ، بل ان بعضهم يعتبره ضمن تصنيفات المكان الروائي ، بالمكان المعادي ، كالسجن ، المكان الذي ليس فيه بشر ، وغيرها من الأماكن .
وفي فيلم آخر هو صناع لحياة ، يختار جمال أمين ، مجموعة من الفنانين يعملون في مشغل واحد ، وينتمون الى جنسيات مختلفة ، بينهم عراقيين ، وكل ما يعملونه هو عمل لوحات تعني الجمال ، وأراد ان يؤكد هنا إن الجميع يمكن ان يتفق على صناعة الجمال ، ولا يمكن ان للجميع ان يتفقوا على القتل أو الخراب أو الدمار ، وبالتالي فان الحروب لابد ان تنتهي ، والدكتاتوريات تنتهي لكن الجمال الذي يصنعه الإنسان يظل صامدا وباقيا .
من خلال هذه الأفلام وغيرها ، يؤكد جمال أمين مقدرته العالية في صناعة الفيلم الروائي القصير ، كنت أتمنى على جمال أمين أن يقيم ورش عمل للسينمائيين الشباب ، حتى يستفيدوا من خبرته في صنع هكذا نوع من الأفلام.