أخيراً اعترف الشيخ حسن نصر الله، علناً وبفخر، بما كان معروفاً عن مشاركة عناصر من حزب الله في القتال إلى جانب قوات الأسد داخل سوريا، وصولاً إلى حمص وبعض مناطق دمشق، وزاد بتحدي معارضي النظام السوري بعدم قدرتهم على إسقاط الأسد عسكرياً، حتى بدا وكأنه يتقمص شخصية رئيس الأركان السوري، وبعدها شخصية المحلل الستراتيجي، بقوله إن الهدف لم يعد إخراج سوريا من محور المقاومة ومعادلة الصراع مع إسرائيل أو أخذ السلطة، بل تدمير سوريا شعباً ونظاماً، سلطة ومجتمعاً وجيشاً، حتى لا تقوم دولة مركزية أو جيش قوي، وسعى لتبرئة الأسد من استخدام السلاح الكيماوي، ولم يفوت فرصة تهديد الدولة العبرية بتكرار القول إنه سينتصر في أي مواجهة مقبلة وعلى الجميع ألاّ يحسب حسابات خاطئة.
في الجهة المقابلة والمضادة تبرع الشيخ القرضاوي العابر للقوميات بشكر واشنطن على دعمها التسليحي لمعارضي الأسد، وكأنه الناطق باسمهم، ودعاها الى التدخل عسكرياً للدفاع عن السوريين، وأن تقف وقفة قال إنها وقفة رجولة ووقفة لله وللخير والحق، على غرار ما فعلت في ليبيا، وطمأنها بأن انتصار المعارضة السورية لا يعني أنها ستلتفت لمحاربة إسرائيل، وهو قبل ذلك روج "للجهاد" في بلاد الشام، ولم يكن كل ذلك بعيداً عن نصرة الشيخ لتنظيم الإخوان المسلمين، المناوئ للنظام السوري الذي وصفه بأنه أوهن من بيت العنكبوت، وهو لم يتوان عن إضفاء صبغة الفتوى على ما يراه حقاً للسوريين بطلب الدعم من دول أجنبية ومن الأمم المتحدة.
يتواصل نزيف الدم السوري، ويتدرج النظام في استخدام أسلحة كان المجتمع الدولي حذره من اللجوء إليها، وهو اليوم يلجأ إلى أسلحته الكيماوية بعد أن تيقن أن التحذيرات ليست أكثر من لغو فارغ، ولن ننتظر طويلاً قبل أن يكون الكيماوي السلاح المفضّل، بعد فشل المروحيات والطيران الحربي والصواريخ البالستية في حسم المعركة، فقد اعتاد النظام السوري على اتخاذ خطوات عسكرية صغيرة، يقيس بها رد الفعل الدولي، وحين يكتشف أن رد الفعل لايتعدى حدود التنديد، يصعّد خطواته، ويتوسع في تلك الخطوات، ولن يفاجئنا سيطرة المعارضين على بعض المخزون الكيماوي، لمحاربة الأسد بأسلحته، دون النظر إلى العواقب الفتاكة على الشعب السوري، الذي يرزح تحت وطأة قرارات خارجية، تتحكم بمصيره ومستقبل أجياله.
بين من يعتمر العمامة البيضاء والسوداء، وكلا هما يفتي من منطلقات سياسية طائفية، وليست دينية خالصةً لوجه الله، وبين تعنت النظام السوري وعناده وإصراره على الحلول العسكرية، وتشرذم المعارضة وتباين اتجاهاتها، نكاد نرى استنساخاً كامل الأوصاف للسيناريو العراقي، الذي لم ينتج حتى اللحظة غير الخراب، والتفجيرات الانتحارية بالسيارات المفخخة في قلب المدن السورية، خطوة إضافية في هذا الاتجاه، برزت في اليومين الماضيين، وهي مرشحة للتفاقم، بغض النظر عن ضحاياها من الأبرياء، الفارق الوحيد أن كيماوي صدام استدرج الغزو الأجنبي، بينما كيماوي الأسد يخضع للمراجعة والتقييم وإعادة النظر، ويجد في موسكو وطهران من يدافع عن استخدامه.
سوريا بين "المفتيين" والكيماوي
[post-views]
نشر في: 1 مايو, 2013: 09:01 م