إن لدينا عتباً قاسياً ومؤلماً على العملية السياسية، لكننا في لحظة تتطلب منا أن نحدق طويلا في محاولة إنقاذ قامت بها هذه النخبة السياسية بعمق ودراية، لتصحيح مسار العراق. وقبل أن تهربوا من هذا المقال غاضبين على الساسة، امنحوني خمس دقائق من وقتكم وسط كل ضجيج حملات التلاعن والتشاتم التي لا تنتهي.
تنشر "المدى" اليوم حواراً أجريته مع رافع العيساوي. اللقاء تم في زيارتي للرمادي مؤخرا، وهي زيارة كتبت بشأنها مقالين أغضبا الطائفيين سنة وشيعة. واللقاء هو بمثابة "وثيقة" باسم محور 19 أيار أو فريق لقاءات أربيل النجف، يمثل مرافعة متكاملة تجيب بسلاسة عن سؤال: لماذا يجب تغيير السيد نوري المالكي؟
اللقاء لم يستمر أكثر من 45 دقيقة، فقد كان بلا موعد مسبق، كما كانت زيارتي الى هناك بلا أي موعد مسبق. لكن العيساوي يتعامل مع الأمر بمنطق مضارب أهل البادية التي لا توصد بابها في وجه ضيف. وهو في الوقت نفسه، نموذج نادر للمحاور الذي يصوغ عبارات مركزة. إن بعض قادة العملية السياسية يسردون الأشياء بإسهاب شديد، وتشعر للحظة أن العملية السياسية لا وقت لديها كي تسمعهم. لكن العيساوي وبضعة ساسة قلائل، يقولون عبارات مركزة يسهل فهمها، ويكونون قادرين على "تحرير محل النزاع" كما كانت تسميه كتب التراث في القرون الوسطى، أيام كان الدارسون يحبون منطق أرسطو ويحظون بعقل منظم مضبوط المستويات "ضبط العقال".
يمكن للقارئ أن يتعامل مع العيساوي كمتهم، أو طرف في العمل المسلح أيام الفلوجة، أو يوجه له أي وصف آخر. لكن عليه أن يجلس لينصت الى جزء مهم مما جرى خلال ولايتي المالكي الأولى والثانية. إن شهادته تجمل لنا باختصار، ما أراده الشركاء قبل اتفاق أربيل، وما رفضه المالكي منها.
العيساوي في هذا اللقاء يقوم بصياغة معنى اتفاقية أربيل، التي احسب أنها أول اتفاق لم يكن مجرد "صفقة بين أمراء الطوائف" بل كان حلا إدارياً يريد أن يرتقي بالعراق من مجرد محاصصة طائفية، الى قواعد عمل حديثة.
المشكلة باختصار كما يسوقها العيساوي الخارج من كواليس الحكومة، هي أن المالكي تعامل بطريقة بدائية مع أزمة الإدارة، وراح يجمع كل شيء ويخفيه في أدراج مكتبه. والطريقة البدائية هي التي خربت كل شيء، فهو يتعامل ببدائية مع كل التظاهرات، ويتعامل ببدائية مع ملف الكهرباء، ويتعامل ببدائية حين يدعوه البرلمان للحديث عن انهيارنا الأمني ليقول ببساطة: إنني مشغول مع الوفد الكوري، ثم يقول: لو حضرت لانقلبت الدنيا.
شهادة العيساوي وحديثه عن نماذج الملفات الإدارية التي تعثرت سياسيا، يسلط الضوء بوضوح على الطريقة البدائية لرئيس الحكومة في إدارة الخلاف.
وليست شهادة العيساوي مجروحة. ذلك أنها معضودة بشهادات كبرى سمعتها خلال الشهور الأخيرة وجها لوجه، من بارزاني والصدر والحكيم وعبد المهدي وعلاوي والجلبي. ومن أكثر أعضاء مجلس النواب ذكاء، ومن باقي الخبراء في الدولة.
ليل الاثنين كنت في سهرة طويلة مليئة بالأسى مع قادة في كتلة شيعية مهمة وبين الحضور وزير شاب معروف. كانوا يتحدثون عن ضرورة تحييد الجيش، في لحظة شعر الجميع أن المؤسسة العسكرية ستتورط في الرمادي وتفتح بابا من العنف لا يعرف أحد كيف ينبغي إيصاده.
الحديث تحول الى مجلس الوزراء وكيف يسير. الوزير، وهو ليس متآمراً بعثياً ولا تكفيرياً صدامياً، يشرح لي كيف تتم إدارة الأمور داخل مجلس الوزراء، بتحايل يشبه تحايل صغار في لعبة "غميضة".
جاء له المالكي بقرار في اجتماع الحكومة وطلب المصادقة عليه. الوزير اعترض لأن كلفة المشروع الكذائي المعروضة، خمسة أضعاف الأسعار الدولية. المالكي بقي مصراً على الكلفة المرتفعة. الوزير طلب أسبوعاً لدراسة الأمر مع الخبراء لأنه شأن يساوي نصف مليار دولار من مال الشعب. الدراسة أنجزت، لكن الظرف اضطر الوزير للتغيب عن الجلسة التالية، وبدل أن ينتظر رئيس الحكومة إحضار الدراسة أو أن يطلب الاطلاع عليها، قام بتمرير القرار المالي فوراً مستغلاً غياب الوزير. انه نصف مليار دولار "طار" برمشة عين. ومثله أنصاف كثيرة تطير لأن الأمر بلا قواعد ولا ضوابط.
العيساوي قال كلمة مهمة في الحوار. المالكي يطلب من الجميع أن يتكيفوا مع رغباته. يريد الأمور بطريقة بدائية وبلا قوانين، ومن يرفض تجري معاقبته.
الكتلة الشيعية في نهاية السهرة تختصر الأمر: إذا عجزنا عن وقف المالكي في الأنبار، فإنه سيستهدف بنفس الطريقة أي احتجاج سلمي شيعي في النجف أو البصرة.
الكلام يطول، ولكن احتفظوا بحوار العيساوي، لأنه وثيقة تختصر بأسلوب سلس المرافعة الاحتجاجية لعراق ما بعد صدام حسين.
احتفظوا بحوار العيساوي
[post-views]
نشر في: 1 مايو, 2013: 08:01 م
جميع التعليقات 4
أحمد هاشم الحسيني
بعد رائد الإصلاح الكبير في العراق مقتدى الصدر ها هو سرمد الطائي يقدم لنا مصلحا آخر هو رافع العيساوي وعلينا أن نصدق لماذا لأن سرمد الطائي يلتقي كل القادة والزعماء ويقرأ أفكارهم ويناقشهم في أسرار العملية السياسية ومن ثم يصدر لنا فتوى هي أن شهادة العيساوي لي
المدقق
لن اعلق على مقالك هذا .. بل عليك ان تراجع ما كتبته من تعليق على اللقاء مع رافع لانني وبصراحة تعبت من الرد على اناس لا يريدون ان يفهموا انهم كتاب عنجوووووووووووووووووووووووووووووووكيون ليس الا ..
ابن العراق
استاذي العزيز المالكي استغل الشحن الطائفي الذي كون ما يشبه الران(الزنجار) على عقول طائفة معينة حتى انه كما قال الله تعالى ( استخف قومه فأطاعوه) فإذا رأيت خطاباته كلها من اسلوب الشحن الطائفي وتوجيه الحذر الى الطائفة بأنه لولا المالكي لضاع المذهب وهو يحاول
ابو احمد
لاشك ان المالكي سياسي من الدرجة الاولى حيث يعتمد على الكذب في كل موافقاته مع الكتل الشياية حتى انه يوقع دون خوف وينكر توقيعه بشكل بسيط سواء تقية منه او اسلوبا لايعترف بمنطق سياسي صادق ومن يلاحظ مغامراته مع الاكراد ومع العراقية التي اخذ موقعها في رئاسة الو