لم نكن نتصور أن بين الأردنيين متعصبين طائفياً ضد واحدة من الفرق الإسلامية التي يعترف بها الأزهر وهي طائفة البهرة الشيعية التي يبلغ عديد المنتمين إليها ما يقرب من مليوني شخص يقيم معظمهم في الهند، وهم يتواجدون في العالم العربي في اليمن ومصر على وجه الخصوص، فقد تحول اعتصام أقامته هيئة مقاومة التشيع في منطقة المزار الجنوبي، بالقرب من مقام الإمام جعفر بن أبي طالب "ذو الجناحين" إلى أعمال عنف وشغب أدت الى احراق كامل مبنى لتلك الطائفة، وهو قائم منذ أكثر من 15 عاماً، وكان المبرر هو رفض استكمال بناء يقول البعض إنه مجمع ديني للطائفة، مع أن رسميين أردنيين يشيرون أن البناء هو فندق لاستقبال زوار الضريح، يقيمون فيه ليلة أو اثنتين.
كان ملفتاً للنظر كل هذا التعصب الذي يتكئ زوراً على الإسلام الذي حرم القتل بغير حق، فأي حق تصورت هيئة منع التشيع امتلاكه، وهي تتجاهل معاني الآية 93 من سورة النساء " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وَغضب اللَّهُ عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً "، وهل سمع هؤلاء الأحاديث الشريفة " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلاّ من مات مشركاً، أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً " وقوله عليه السلام " لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار" وقوله عليه السلام " كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله"، وما يمكن عرضه في هذا المجال كثير يعجز هذا المقال عن استيعابه.
لم يعرف الأردنيون التعصب ضد الآخرين. وبعض أتباع الطائفة الشيعية، ويطلق عليهم لقب "المتاوله"، هاجروا من لبنان إلى الأردن، وهم يعيشون في شمال البلاد منذ عقود، ويتعايش الناس معهم بكل الود والمحبة، غير أن "معاداة الشيعة" برزت على يد مجموعات من الطلبة الذين درسوا في العراق، وفيه انتسبوا للبعث وآمنوا بكل ما يراه صدام، ومعظم هؤلاء كانوا من قرى الجنوب الفقير، حيث تأسست هيئة لمنع التشيع الذي انتشر قليلاً بفعل تعرف الناس على هذا المذهب، بعد اختلاطهم بزوار مقام إبن عم الرسول وبطل معركة مؤته، كما أن بعض اللاجئين الفلسطينيين تشيعوا متأثرين بما قيل عن مقاومة حزب الله للغزو الإسرائيلي للبنان.
لا نظن أن أحداً من الذين أحرقوا البيت، وفيه عائلة ، يعرف أن طائفة البهرة هي أصلاً من شيعة مصر هاجروا منها بعد انتهاء العصر الفاطمي واستقروا في الهند وعملوا بالتجارة ومنها أخذوا اسمهم . ومن المجتمع الهندي الذي اندمجوا فيه تعلموا فضيلة التسامح وآمنوا بها، مبتعدين عن أي عمل سياسي، لكنهم نظموا أمورهم بحيث بات بمقدورهم إنشاء مشاريع خدمية مثل رصف الطرق ومشاريع المياه وبناء المدارس والمستشفيات وإنشاء مدارس لحفظ القران الكريم وظلوا يتميزون بأنهم مسالمون ولا يختلطون كثيراً إلا مع أتباع طائفتهم، يقومون بجمع مبلغ شهري من كل الأعضاء للإنفاق على المشاريع المشتركة، الهادفة لخدمة مجتمعهم.
الموقف الرسمي من أبناء الطائفة الشيعية، وإن اتسم بالتسامح، إلا أنه رفض بشكل مطلق التشيع السياسي، واتخذت السلطات العديد من الخطوات للحد من السياحة الدينية، خصوصاً تلك القادمة من إيران، ولا نظنها تتفق مع ما حصل في المزار من اعتداء على أسرة مسلمة مسالمة، وهو شكل من أشكال الانفلات الأمني، لا يعفيها من العمل على منع تكراره، ولعل ذلك يبدأ بتثقيف خطباء المساجد بأمور دينهم الصحيحة.
أردنيون ضد الشيعة!
[post-views]
نشر في: 4 مايو, 2013: 09:01 م