غضبت وزارة الثقافة ودراويشها من مشهد تمثيلي قدمته ممثلة ألمانية، اعتقدت أنها تشارك في مهرجان تجريبي للمسرح ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية، بينما الواقع يقول إنها مطالبة بأن تساهم في مهرجان لنشر قيم الفضيلة والأخلاق العربية، وإنها – أي الممثلة – عليها إنجاز " مهامها الوطنية وأداء واجباتها المهنية وتحقيق رسالتها المنشودة في بناء الإنسان الذي يمثل رأسمال العمران البشري في بناء الأوطان "، حسب البيان الثوري الذي أصدرته وزارة الثقافة قبل يومين..
الغاضبون على مشهد الممثلة الألمانية، دخلوا في سباق محموم على من يرفع سيف الدفاع عن قيم الأخلاق الحميدة حيث حاولت هذه "الماجنة" الغربية، إشاعة "الفسق" في مجتمعنا الذي يعيش أزهى عصور الإشراق والازدهار في كل المجالات،ابتداءً من التعليم وانتهاءً بالصحة والأمن والخدمات.
وقبل أن ندخل في تفاصيل المشهد التمثيلي ، تعالوا نتابع ما نشر عن خسائر "مهرجان بغداد عاصمة للفضيلة العربية"، فقد نشرت وسائل الإعلام أن ما صرف على افتتاح المهرجان يضاهي نفقات القمة العربية إن لم يكن أكثر منها، وأن كلفة الخيمة التي شهدت حفل الافتتاح بلغت ثلاثة ملايين دولار، وأن مبالغ المهرجان بدل أن تصرف على إدامة البنى التحتية للثقافة فإنها أنفقت على فعاليات لم يحضرها سوى أفراد يعدّون على أصابع اليدين، ولكننا بدلا من أن نسمع أصواتاً تدين هذا الإصرار على سرقة المال العام في وضح النهار، فقد خرج علينا من ملأ الأجواء بكاءً على إهدار الأخلاق وضياع الحشمة وانتشار الرذيلة، ووجّه برقيات تحذير إلى وزارة الثقافة لأنها تستورد فرقاً للغناء الذي هو شكل من أشكال المجون، هكذا وجدنا من يصرخ ويفتح مزاد الفضيلة ويتنافس على شتم الغناء وتحريمه، وقد سجل السيد صدر الدين القبانجي رقما قياسيا في شتم الفعاليات الفنية، فألقى خلال الأشهر الماضية أكثر من ست خطب تمعن في إظهار أننا نعيش في مجتمع ينشر الرذيلة ، ويصر أفراده على عدم الالتزام بلبس "حزام العفة".
وبموازاة هذه البيانات والخطب، لم يسأل أحد نفسه لماذا تسود أعراف دولة الفساد التي حولت العراق من بلد غني إلى بلد يدير ثرواته موظفون ومسؤولون يعتبرون المال العام جزءاً من ثرواتهم الشخصية.. ولم نجد مسؤولاً أو خطيباً يسأل أين صرفت هذه المبالغ الضخمة وبغداد تعيش أسوأ عصور الخراب العمراني..
للأسف أن البعض لا يملك مشروعا سياسيا واقتصاديا أو ثقافيا يناسب اللحظة التي نعيشها بمفاهيم الحياة الآن، وليس بمفاهيم القرن الرابع الهجري.. ولهذا نجدهم يُغطون على الخراب والفساد الذي ينخر جسد العراق بمعارك وخطب عن ممثلة "كافرة" لا تريد أن تعرف أننا نعيش عصر فيلم "الرسالة" وأن مهمة مسؤولينا ليس توفير الخدمات والأمن للناس، وإنما تحشيد الجيوش لفتح بلاد الكفار ونشر نظرية "حزام العفة".. وأننا أصحاب رسالة تؤمن بأن الخلاص من كل المشاكل تتلخص في العودة إلى قرون مضت.. وإعادة انتاج المجتمع في ضوء حكايات وأخبار خرافية..
خطب وشعارات تريد إحكام سيطرتها على عقول الناس، ومنع خيط النور من الوصول إلى كهوف التخلف، جهل يفخر ويعتز به العديد من المسؤولين. الذين يعتبرون أن الإخلاص للخرافة منتهى الأمل والمنى ودليل على عافية المجتمع ، رقباء يريدون العودة بنا إلى عصر "القائد المؤمن" الذي أصرّ في حالة "تجلٍّ رحمانية" حرمان آلاف وملايين العراقيين من أبسط متع الحياة.
يدعونا كازنتزاكي من خلال بطله الأسطوري زوربا إلى تعلم أن الفضيلة تهرب من المواعظ المزيفة حين يخبر معلمه " إنني لا أطيق الذين يتحدثون ليل نهار في العفة، وكلما أشهد عرضاً لأحد من هؤلاء اجده يردد زعقا واحدا لا يتغير وصياحا، لا يكف. ولا يكف "كان زوربا يشير إلى البلدان التي تنتشر فيها ميليشيات تقتل الأفكار الجديدة في مجتمع أصرّ حكّامه أن يجبروا الناس على ارتداء حزام العفة ، الذي يلفّ به الرجل زوجته وهو مسافر.. يغلقه بقفل يحمل هو مفتاحه، خديعة كان الرجل يقنع بها نفسه ليقبل أن يحتفظ بإخلاص زوجته بالقهر.. في الوقت الذي كان الرجال يمارسون حياة سرية تتطرف فيها النزوات والفساد بكل أشكاله وأنواعه، مجتمع شيزوفريني كلما ازدادت فيه خطب الفضيلة، تضخّم حجم الفساد في مؤسسات الدولة.
إن مايجري يؤكد أننا نستخدم شعارات "الحملة الايمانية" للتغطية على حجم الخراب وانتهاك آدمية الإنسان.. نستخدم شعار الأخلاق الحميدة لإسدال الستار على جرائم القتل ونهب المال العام. نستخدم الفضيلة سلّماً لكي نقمع الناس. وما دامت الحكومة هي المؤمنة فقط ، فمن يعارضها حتما من "الكفار" الذين عليهم أن يرتدوا أحزمة العفة قبل التفكير في المشاركة بفعاليات بغداد عاصمة "الأخلاق الرشيدة".
وزارة الثقافة تلبس "حزام العفّة"
[post-views]
نشر في: 4 مايو, 2013: 08:01 م
جميع التعليقات 4
عبد الحسين طاهر
الاخ علي حسين الشعب العراقي وحقك امفتش باللبن لم يخدعه ( عبد الله المؤمن )ولا يمكن ان تنطي عليه حيل موامنة اليوم في حكاية عن لباس العفة حدثت لاحد الفرسان البس امرأته ذلك اللباس واودعه مفتاحه لدى واحد من اصدقاءه المؤمنين الاتقياء الذي يثق بامانته وذهب للحر
ابو سعد
لااعرف مالرابط بين مقالتك وما ذهبت اليه بعيدا في بداية السبعينيات في العراق حيث ذهبت مع ابن خالتي (الشيوعي)لحضور مسرحيه ليوسف العاني وبما انني لااعرف المسرح ولم يسبق لي ان رايت قاعته فوجدتها فرصه لاكتشاف المجهول وغالبا ما كنت اسمع واطنش (اعطني خبزا ومسرحا
رمزي الحيدر
ماذا نعمل إذا هذه الفيروسات السامة التي تأكل العمود الفقري للوطن و الشعب الجاهل ينتخبهم للمرة الثالثة.
مواطن
مازال الشعب ضعيف ستبقى الفيروسات معشعشه في عقل وجسد الشعب العراقي وهذا حال دول العالم الثالث .