الواقع يقول إن جميع مدمني المخدرات تقريباً لم يكن لديهم الوعي الكافي والاستبصار الحقيقي بما ستؤول إليه حالتهم بعد الإدمان، أو حقيقة إدراكهم لمخاطر حب الاستطلاع والميل إلى حب التجربة عندما تعاطوا المخدر للمرة الأولى، أو تصورهم بأنهم سيكونون قادرين على التوقف عن التعاطي في أي وقت يشاءون، ومن المؤكد أن هذه النماذج لم تكن محصنة نفسياً أو قيمياً وسلوكياً ضد اكتساب القيم والثقافات والسلوكيات والعادات الغريبة أو الضارة بقدر كافٍ، وتلك مسؤولية الأسرة والمجتمع بأسره، فضلاً عن وجود تفاوت وفروق فردية- سلباً وإيجاباً- بين الناس في كيفية التعامل مع مشاكل وضغوط الحياة المتعددة، هذا إلى جانب وجود بعض من الأمراض أو الاضطرابات النفسية التي تسهم في حدوث الإدمان، دون أن ننسى أن المتعاطي عندما تحول كراهية إلى «مدمن»، فإن الإدمان يتسبب في تشويه صورته وشخصيته وكيانه من جميع النواحي، ويفقد السيطرة على نفسه.
وتختفي وتتوارى كل اهتماماته ومفردات معايير كل القيم لديه، ولا يصبح له سوى هم واحد هو «الحصول على المخدر» بأي طريقة وبأي ثمن، ويذوب ضائعاً في دوامة المشاكل، ويتحول إلى بقايا أو حطام إنسان يحتاج إلى إعادة «ترميم» وتأهيل، وهذا يستحيل أن يقدم عليه بمفرده، فالنظرة إلى مدمني المخدرات في العقدين الأخيرين قد تغيرت في العالم بأسره، وأصبح التعامل معهم على اعتبار أنهم «مرضى»، وأن الإدمان مرض من الأمراض، وأن أصحابه يحتاجون تدخلاً مهنياً دقيقاً وفق برنامج علاجي طبي ونفسي واجتماعي وتأهيلي متكامل».
ان انتشار المخدرات والإدمان عليها يهيئ الأرضية الخصبة لكثير من الخروقات الأمنية والدافع المباشر، أو غير المباشر لعدد من الجرائم المرتكبة ذات التأثير السلبي على استقرار المجتمع وأمنه، ذي الصلة بالأشخاص، أو المعلومات،
أو المعدات، أو المنشآت، حتى أصبح الإدمان ثغرة أمنية ينظر إليها من حيث الصلة بين الجريمة وتناول المخدرات،
وتؤكد الدراسات أن المخدرات مسؤولة عن تحفيز الميل لارتكاب الجريمة الموجود أصلاً في التكوين النفسي لبعض الأفراد، وعندها يصبح تناول كمية منها كافيا لدفع الشخص - أي من لديه ميول ذات طبيعة إجرامية في الأصل- باتجاه ارتكاب جريمة معينة خاصة لمن اعتاد العنف، ذلك أنها- أي المخدرات - تضعف من القدرة على الإدراك ومن السيطرة على الإرادة بالمستوى الذي لا يستطيع فيه المدمن كبح دوافعه الإجرامية، وأنها بنفس الوقت تبدد الخوف من العقاب، وبالمحصلة يمكن القول إنها تغلب عقد العزم على ارتكاب الجريمة على الدفاعات المانعة منها.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك جرائم وحوادث الطرق، فإن الصورة تكون أكثر ضبابية «لأن المخدرات تقلل القدرة على الرؤية الواضحة، والانتباه اللازم للقيادة، والقوة العضلية اللازمة للأداء الحركي في الوقت المناسب، إضافة إلى الثقة المفرطة بالنفس إلى حد المغالاة في أحيان كثيرة» .
المخدرات وأمن المجتمع
[post-views]
نشر في: 5 مايو, 2013: 09:01 م