ما زال في حكاية "الحويجة" ما يمكن التوقف عنده.. كيف تعدّ الجريمة مجرد صولة لتطبيق مفاهيم دولة القانون؟، كيف تجد مبررا لقتل أبناء وطنك، وأنت تشعر بأنك حققت انتصارا على أعداء خارجين على إرادة "ولي النعمة"؟ أحاول هنا أن أسير خلف حكاية الحويجة ، لأكتشف من خلالها كمّا كبيرا من الأكاذيب التي تؤسس لتعاسة الناس اليومية من خلال بيانات رسمية تؤكد أن ماجرى دفاعا عن أمن الوطن والمواطن
في حكاية الحويجة هناك طرف يريد من الناس أن يخافوا بأي طريقة.. ومثلما حدث في "الزركة" منذ سنوات، مطلوب من الناس فقط ان تعيش في أغلال الخوف.. يريدون مواطنا خائفا بامتياز لا يسأل عن عدد القتلة، وإنما يستنكر الخروج على ارادة الحاكم الذي بيده مفاتيح الدنيا.. مواطن يخاف من جاره لأنه لا ينتمي إلى طائفته.. ومن أجل هذا فلابد من إقامة نظام يجعل الحاكم هو أصل كل الأشياء، هو الذي يحدد لك من هم أعداؤك، ومن المسموح لك بمصافحتهم.. ولأنك مواطن ضعيف العقل والإرادة فلابد من حمايتك من تأثير "المتظاهرين" الذين يتآمرون على الدولة.. لذلك عليك أن تخاف من كل ما لا ينتمي لعقيدتك.. والأهم عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع، مطلوب منك أن تخاف من العلماني لأنه كافر، ومن الليبرالي لأنه فاسق، ومن الشيوعي لأنه منحلّ..
الخائفون يسهل تدجينهم، ويسهل ملء عقولهم بسيناريوهات المؤامرات التي لم نجد لها دليلاً واحداً حتى هذه اللحظة، يسهل إقناعهم بالخطر الذي يتهددهم في الدنيا والآخرة، وبالانهيار الذي ينتظر الطائفة بسبب مئات من المعتصمين، وبالانتصار العظيم الذي يتحقق للعقيدة والنظام بسبب هجوم نفذته قوات "باسلة" على من يهتفون ضد "مختار العصر".
الخائفون مطلوب منهم أن لا يصدقوا تقرير منظمة اليونسيف من ان ثمانية أطفال قتلو و12 آخرين أصيبوا إصابات خطرة خلال صولة قوات سوات على ديار الأعداء في الحويجة.. ومطلوب منهم أن يخرجوا ألسنتهم ليسخروا من تقرير منظمة العفو الدولية التي أكدت أن صولة "فتح الحويجة" نفذت بأوامر من رئيس الوزراء ووزير دفاعه بالوكالة.. وعليهم أن يصفقوا لكلمات حسين الشهرستاني المرتبكة التي أفادت أن "اللجنة التي كلفت بجمع الأدلة وتقصي الحقائق لا تمتلك تاكيد وقوع جريمة من عدمه".. وعليهم أن يحمدوا الله لأن لديهم قوات أمنية لا يمكن مساءلتها، لأن كبار المسؤولين الضالعين في أمر الهجوم لن يسمحوا بأي عقاب يردع قوات الأمن عن استخدام الوسائل العنيفة لمنع الاحتجاجات في المستقبل كما أخبرنا نائب رئيس الوزراء "التائب" صالح المطلك، ولأننا نعيش في صولات "ظهر الحق وزهق الباطل" ابتداء من صولة قوات العقرب على منطقة الزركة عام 2007، وانتهاء بملحمة قوات سوات بالحويجة.. فالمطلوب أن لا تثار أسئلة عن عدد القتلى، ما ذا يعني مقتل أربعين شخصا وجرح مئة وخمسين واعتقال أربعمئة، ما دام النظام السياسي سالما، ومجلس النواب يغط في نوم عميق، والأمور تدار بالوكالة، بدءاً من المجاري وانتهاءً بالدفاع!
استئصال المعارضين عقيدة تريد الجماعة الحاكمة تثبيتها في أذهان الناس، وعلى الإعلام والقضاء الانضمام إلى جوقة "السمع والطاعة" هكذا يراد منا أن نعيش في ظل دولة الكراهية التي تصر على أن تجعل من الطائفة هوية ، بديلا للمواطنة.. وتفسير الفشل في الخدمات والأزمات السياسية بأنه نتيجة المؤامرات الخارجية، والابتعاد عن تنفيذ وصايا السيد المالكي.. بضاعة الكراهية هي كل ما تبقى عند مسؤولينا وسياسيينا.. كراهية تقوم على التمييز بين أبناء هذا البلد على أساس مدى قربهم من هذا الحزب ودفاعهم عن تلك الطائفة، ولأنها بضاعة فاسدة ومغشوشة فإن أصحابها يفسرون معاناة الناس والظلم الذي يعيشون في ظله مظلومية كل طائفة.. مجموعات تعتمد على تحويل الكراهية إلى خطاب يومي يصور للبسطاء أن معاداة الآخرين هي الطريق إلى الجنة.
نظرة سريعة على ما جرى تكشف بجلاء أن حكومتنا الأمنية مصرّة على ترويض الشعب ونزع أظفاره، بعد تنفيذ سيناريوهات جهنمية تنتهي ببيان يؤكد أن قواتنا الأمنية استطاعت أن تقضي على المؤامرات التي تحاك بالظلام للاستيلاء على الحكم.. وبعدها تبدأ مرحلة محو أية ملامح للمطالب التي ينادي بها الناس، فإذا المعتصمون طالبوا بالعيش في ظل عدالة اجتماعية، فلابد من افتعال مجموعة من الأزمات، تبدأ بمطاردة رافع العيساوي، ولاتنتهي بسيل من مذكرات القبض ترفع بوجه كل من يقول لا للتدجين، والأمر ذاته حدث في ما يخص الخدمات والإصلاح السياسي، إذ جرى تجويع المواطنين أمنياً وأحيطوا بحزام مرعب من المفخخات وكواتم الصوت وصواريخ الكاتيوشا، بما لم يترك مجالا لأحد لكي يفكر في موضوع الخدمات أو محاسبة المفسدين.
ووسط هذا المناخ المفزع يظهر رئيس الوزراء ومعه قوات بشتى الأسماء "العقرب، الذهبية، الذيب، الأسد، ويضاف لها سوات" بدور الحارس والحامي لهذا الوطن، ومن ثم تصبح مناقشتها نوعاً من الخروج على القانون، ومعارضة قائدها العام خيانة وطنية، والمطالبة بتجديد صلاحياته أقرب إلى الكفر والخروج من "ملّة الإسلام".
جميع التعليقات 4
أبو سعد
ألا تعتقد بانها اصبحت ثقافه لدى الشعب العراقي اعتاد عليها وصنعها لاكثر من 50سنه(فهمني اشلون تكدر تشلعها)وهم اللذين بحت اصواتهم بالروح بالدم نفديك يا...وكوم بيها وعازلم خليها وصدكهم لحد ماكام بيه وجابوبهم للنكره مالته..(ديسون الان نفس الشي بس بالعكس حتى تت
أحمد هاشم الحسيني
الحمد لله أنكم تذكرتم الزركة بعد صمت طويل بل صفقتم كثيرا وطويلا وإعتبرتهم أن تلك الجريمة في الإبادة الجماعية التي لم يكلف أحد نفسه في البحث عن ملابساتها كانت إنجازا لنوري المالكي بل من أكبر الإنجازات إذا عدت مع ملاحقة مليشيا مقتدى الصدر وهي مفتاح شعبيته ا
احمد صالح الحيالى
انى الفقير الى اللة تعالى حالى كحال غيرى من الشباب اللذين ادوا الخدمة العسكرية يوم كانت العسكرية هوية المواطن تعلمنا كيف ندافع عن الطن بغض النظر عن توجهات الحاكم ونواياه اى كان هذا الحاكم ولكننا وللاسف الشديد لم نتعلم كيف نفتش خزانات ملابس النساء وثلاجا
DR ADIL FAILY
DID WE OR DID THE AMERICANS CHANGE ONLY THE RULERS AND NOT THE IDEAS OF THE REPUBLIC OF FEAR PLUS THE STATE OF THE GESTAPO??????BEFORE THE FANATISM OF AL-BAATH WAS NATIONALISTIC .IS IT TODAY THE RELIGIOUS FANATISM OF THE 100 YEARS RELIGIOUS WARS OF EURO