لا أحد يستطيع أن يفهم، ثم يحلل، الغاية من وراء نبش القبور الذي حدث في سوريا مؤخراً. يوم شاهدت الصور على فيسبوك لاول مرة اعتقدت بان الموضوع ينطوي على فبركة ستنكشف بسرعة، لكن الموضوع أخذ يتأكد! طيب، هل يعقل أن يقوم النظام السوري بمثل هذه العملية؛ من أجل أن يجيش المنطقة طائفياً ويكسب المزيد من الدعم "الشيعي" لصالح حربه الخاسرة؟ احتمال معقول، لكن عمليات الهدم والنبش واخراج الرفات هي عمليات تحتاج لما هو اكثر من الجهد السري الذي تتقنه المخابرات او من يُسَمُّون بالشبيحة.
إذن هي القوى المسلحة ذات النفوذ في سوريا، وهنا تتضبب الرؤيا ويتعقد التحليل. فما الغاية التي لا يمكن تأخيرها وتتحقق بهذا الفعل اللااخلاقي واللاانساني واللاقانوني؟ خاصة وأن هذه الجماعات تحتاج إلى تأييد قوى الشعب السوري المختلفة، أو هي على الأقل تحتاج ألى عدم تخويف الناس من عهد تكون فيه هي المسيطرة على البلد!
وحتى لو قلنا أن الموضوع يتعلق بتطبيق حكم شرعي تؤمن به هذه الجماعات، فيجب ان يتوقف فعلها عند هدم المزارات وتسوية القبور بالأرض. أما النبش فما الغاية منه؟
كل ما ستخرج به وأنت تتفحص هذا السلوك ومجموعة الظروف الموضوعية المحيطة به، هو أن هذه العقليات تعمل بمنطق التحدي العنجهي الذي لا يأخذ بنظر الاعتبار اي من الملابسات والظروف والمخاوف التي تحيط بأي جريمة ينوي ارتكابها! ومثل هذا المنطق لا يمتلك القدرة على الاستمرار في الصراع من أجل البقاء الذي يحدث في المنطقة. إذ من الواضح أن نبش القبور الذي جرى، يتضمن إهانة مباشرة وتحداً سافراً لاتباع المذهب الشيعي بالمنطقة، وهؤلاء يشكلون قوة لا يمكن تجاهل تاثيرها بسير الاحداث. فهل خطط النباشون لتحريك هذه القوة ضدهم؟ وهم الذين يعانون ضيق خناق شديد بسبب ضربات نظام الأسد، هل أرادوا تأكيد المخاوف التي تحدثت عن نيتهم هدم جميع المراقد المقدسة ونبش جميع قبورها؟ وهل يعتقدون أن مكونات الشعب السوري سترحب بهذا الفعل؟ وهي مكونات متنوعة ولدى كل منها مزاراته ومقدساته. كيف سيطمئن الدرزي أو العلوي أو المسيحي أو الشيعي أو حتى السني الذي يختلف معهم في التفاصيل، كيف سيطمئن هؤلاء لعهد تكون اقل خسائره نبش المقدسات؟
شخصياً، اعتبر أن هذا السلوك سيؤدي إلى انعطاف شديد بسير الأحداث لن يكون في صالح القوى التي ارتكبته، وهذا ما يبعث على التفاؤل، لكن المشكلة أن على المحك تراث سيتم تدميره ورموز ثقافية/ دينية/ تاريخية سيتم انتهاكها، والابشع من ذلك أن قتالاً طاحناً سينشب، وسيكلفنا المزيد من الدماء والخراب والتخلف.