من زمن بعيد وأنا أفكر بالكتابة عن " المسودن" في أشعارنا وأغانينا الشعبية. بحثت وسألت كثيرا عن أصل الكلمة فلم أجد ما يدلني على جذرها اللغوي. المصدر الوحيد الذي وقع بين يدي وتطرق لها بسطرين أو أقل، هو "موسوعة الكنايات العامية البغدادية" للباحث عبود الشالجي. جاء فيه أن " مسودن " كناية عن المصاب بخلل في عقله، إشارة إلى انه قد أصيب بالسوداء، وهي " الماليخوليا". أتفق مع الباحث في مسألة أنها تعني إصابة بخلل عقلي، لكني أختلف في الربط بين "المسودن" والسوداء. فالأخيرة لها علاقة بالأمراض النفسية وبشكل أخص الكآبة، أما "السوادين"، التي من يبتلى بها يسمى "مسودن" فهي ضرب من ضروب وأعراض الإصابة بأمراض عقلية. أهل الاختصاص يعرفون الفارق بين الاثنين.
أعتقد أن "مسودن" كلمة عامية عراقية بحتة ،إذ لم أجد لها أي ذكر في قواميس اللغة الأم القديمة أو الحديثة. خطر ببالي أنها جاءتنا من أجدادنا السومريين الذين "سودنوا" الناس يوما بحضارتهم واختراعاتهم التي تطيّر العقل. بالمناسبة، إن وصف العراقيين للجميلة من البنات بأنها "تسودن" أو "تجنن" أو "تخبل" لا يقصدون به أن من يراها سيفقد صوابه أو عقله، بقدر ما يقصدون أنها كاملة الأوصاف. وقد يعممون وصفهم هذا على القصيدة أو الأغنية أو حتى اللوحة الفنية التي تبهرهم بجمالها.
كنت قد جمّعت نصوصا شعبية مرت على ذكر "المسودين" لأكتب عنها. صار لدي الكثير منها بدءا من صيحة مسعود العمارتلي:
راسي ارد اكصه اعليك كصة المودة
والسودننـه البيض، شنهي اليعوده؟
إلى هوسة "مسودن والله مسودن يشرب جاي بنص الليل"!
كل ما وقع بين يدي يتحدث عن "المسودن" الذكر، وكأن هناك حملة "عنصرية" ضد الذكور. فكرت أن أبحث عن كلمة "مسودنة" لأتأكد من الأمر. بحثت فلم أجد ذكرا للحديث عن امرأة "مسودنة"، بل عن نخلة "مسودنة"! جاء ذكرها في تعليق لعراقي تحت حديث لفنان تشكيلي. لم يتطرق المعلق لما قاله الفنان بل اعترض على شَعره بقوله: "هذا شعره جنه نخله مسودنه"!
بصراحة أنها المرة الأولى التي أسمع بها أن نخيل العراق "يتسودن" هو الآخر. بحثت كثيرا طامعا في أن أجد من يأتيني بسرّ "النخلة المسودنة" فلم أجد من خصها ببحث أو تفسير. لم يبق غير أن أسأل صديقي المهندس الزراعي أبا يوسف فهذا يومه. سألته عنها فأجابني:
"تتسودن" النخلة العراقية من ثمرة جوز الهند "لب غراش". فقد تبين أن هذا الجوز يحمل فايروسا إن شمّته النخلة يتدلى رأسها المرتفع بسعفها كله إلى الأسفل بزاوية حادة وكأنه مكسور. لا ينفع معها أي علاج أبدا إلى أن يتيبس سعفها ويذبل فتموت من الرأس حد الجذر. ثم اخبرني بان هذه الحالة دفعت الدولة إلى منع دخول جوز الهند للعراق خلال التسعينات لحماية النخيل من شره. من بين ما رواه انه شاهد بعينه بستانا عامرا بالنخيل قرب البصرة قد أفنته عن بكرة أبيه جوزة الهند بفايروسها في العام 1996.
سألت صاحبي: إن كان هذا الفايروس الهندي اللعين يصيب إناث النخيل فقط من دون ذكرها. صفن وقال: أعطني وقتا لآتيك بالخبر اليقين. وعلى ما سيأتي به صاحبي يتوقف ما سأكتبه مرة أخرى عن تلك النخلة في عمود قادم.
جميع التعليقات 1
DR ADIL FAILY
IT IS A MUCH MORE COMPLICATED MATTER WITH THE MENTAL DISORDERS.THE PUBLIC EVERY WHERE SIMPLIFY THE THEME AND SAY [CRAZY]IN THE ENGLISH LANGUAGE OR IMKHABBAL IN THE ARABIC LANGUAGE.WHAT DO THEY WHETHER ARABS OR ENGLISH MEAN IS NOT DEFINED. THERE IS NO ME