في مدرسة الخنساء الابتدائية للبنات في عشار البصرة البهية ، كانت محطتي الأولى في مسيرة : الـ..ألف باء ، المعرفية . حينذاك ، حيرتني لافتة ضخمة عريضة طويلة تتوسط مساحة من الجدار الفاصل بين غرفة المديرة ( زكية عمسو ) عليها الرحمة ، وبين غرفة المعلمات .
كلما هممت بقراءة ما خط عليها ، اصطدمت عيناي بحرف الشين مكررا ، فيلتبس علي الأمر ، وأوقن أن في الكتابة خطأ ما ،، لم تميزه غفلة وجهل صبية في العاشرة .
ولغرض إثبات الذات – ربما – وترويج وإظهار ما كنت أحسبها فطنة – ربما – وجدتني ذات يوم أرفع سبابة مترددة ، خجولة ، لأسأل معلمة العربي ، وكان اسمها سعاد عازر :
-- ست سعاد ، لقد اكتشفت خطأ فظيعا في اللوحة المعلقة ، ولا بد من تصحيحه !
ووجدتني في غمرة ارتباكي أشرح للمعلمة ماهية الخطأ الفظيع ! والمعلمة الجميلة الأنيقة ، التي عرفت بصرامتها ورقتها ، في ذات الوقت ، تصغي إلي بصبر جميل ، وابتسامتها تتسع ، حتى لا أكاد أدري أهي ابتسامة هزء أم تشجيع . لم توبخني ست سعاد ، ولا نهرتني ، ولا عيرتني بجهلي ، إنما انتهزتها فرصة مواتية لتشرح لي ، ولتشرك معي كل طالبات الصف الرابع مضمون ومعنى تلك الحكمة البليغة التي ينسبها البعض للإمام علي بن أبي طالب . : ( اخشوشنوا فإن الترف يزيل النعم . )
من يومها ، والمعنى الكامن خلف الحروف ، لم يبارح ذاكرتي ، ولا منهجي ، أجده يطل برأسه كلما صادفت بذخا حد الكفر ، وترفا باذخا حد اللعنة .
لماذا تراني أستحضر ذكريات عفا عليها الزمن ، وأستعيد ملامح حكمة تكاد تكون منسية ، كلما قرأت ‘عن ترف وبذخ أهل السلطة في هذا البلد أو ذاك ، وعبر أقطار المعمورة ، يستوي شرقها وغربها .
الرفاه غير الترف ، فالأول مطلوب ومبارك ، والثاني مذموم .
كلما ساورتني نفسي بالكتابة عن بذخ عيش الرئيس المصري السابق وعائلته ، ألجم إرادتي بلجام محكم ، فالتمثيل بالجثث حرام ، ومقولة : ارحموا عزيز قوم ذل ، ماثلة لم تبرح الأذهان قط ، لكن الأخبار المتواترة عن البذخ الكافر ، والتي تتضخم كل يوم ، تستدعي وقفة ، ولو على عجالة .
تذكر الأخبار عن جردة أولية لسوزان مبارك ، ما لو صحت الأخبار : أن ثمن قلادة واحدة من قلاداتها الماسية العشرة بلغ خمسة ملايين دولار ! ذكرت تقارير الجرد ، أن في حوزتها 27 خاتما ماسيا ، وآخر ظهور لها قبل الإطاحة ، زينت ياقتها ببروش قيمته سبعة ملايين جنيه .
كانت حين تذهب للتبضع في روما وباريس ونيويورك تنفق مليون دولار في اليوم الواحد ، وفقا لمعلومات من مركز ( تايسون التجاري ) وبعض المرافقين ..
كانت تعاف مذاق الفول والطعمية عند إقامة الولائم الباذخة لكبار القوم لا سيما الأجانب منهم ، ، حيث يأتيها الطعام طازجا ساخنا من مطاعم ( ماكسيم ) في باريس وغالبا ما كان يرافق الطلبية ، طهاة وسفرجية من بلاد السين ، تحملهم طائرة خاصة ، يتولى الإشراف على المهمة ضابطان مصريان مكرسة خدماتهما لهذا الغرض .السيدة ، ترأس أكثر من 15 جمعية ومؤسسة ، تشغل مناصب فخرية في أندية الروتاري بمصر ، إلى جانب رئاسة مجلس أمناء جامعة الإسكندرية ، منحت شهادة الدكتوراه الفخرية في الآداب ، أكثر من 160 مدرسة في عموم مصر تحمل اسمها . أرصدتها موزعة ومبعثرة في مصارف سويسرا وباريس , .. و..
*من يعيد للحكمة البليغة ، مهابتها وجلالها ويصرخ بأعلى صوت ، عل من به صمم يسمع ويعي : أيها القوم إياكم وبطر الترف ، واخشوشنوا ، فإن الترف يزيل النعم .
اخشو شنوا
[post-views]
نشر في: 12 مايو, 2013: 09:01 م