لون جديد من الأداء التمثيلي ظهر مع الرومان القدماء إذ يقوم ممثل بمفرده ، وبوساطة وحدة مسرحية تعمل على وفق جو نفسي بإيجاد مسافة جمالية تحبس أنفاس الجمهور آنذاك ، فالممثل يمتلك مهارة التوافق والتناغم مابين الصوت والجسد الذي تتوافق إي
لون جديد من الأداء التمثيلي ظهر مع الرومان القدماء إذ يقوم ممثل بمفرده ، وبوساطة وحدة مسرحية تعمل على وفق جو نفسي بإيجاد مسافة جمالية تحبس أنفاس الجمهور آنذاك ، فالممثل يمتلك مهارة التوافق والتناغم مابين الصوت والجسد الذي تتوافق إيماءاته مع إيقاع الصوت وتناميه .. فالممثل الإيمائي الروماني – مثلما يقول شلدون تشيني – يلجأ إلى استعمال جرس في قدمه ليؤكد وحدة النظم على إيقاع الموسيقى . ويثير الأداء الإيمائي لدى الرومان الأثر الكلي على المتلقي بوساطة ثلاثة عناصر تشتمل على الممثل والكورس والموسيقى ، التي تجتمع مع بعضها البعض على هيأة وحدة نفسية إيقاعية تؤلف في المحصلة ما يعرف بقاعدة الاتصال الإيمائي الداخلي الناتجة عن الإشارات المضخمة للممثلين الإغريق أو الرقص المصنف للكورس . . ويلاحظ أن هذه الوحدة التركيبية للعناصر الثلاثة كان لها مهمة الفعل التام المكون من بداية ووسط ونهاية فالتمثيل الإيمائي لدى الرومان يصاحبه أداء صوتيا للكورس وظيفته تفسير الإشارات والإيماءات التي يقوم بها جسد الممثل . ويمتاز الأداء التمثيلي الإيمائي بالتحكم والضبط الاتصالي ما بين الممثل وبقية العناصر المسرحية من دون الاتصال المباشر مع الجمهور . لأن الكورس يكون مسؤولا على هذا الاتصال المباشر بوساطة الإرسال الصوتي المعبر عن المحتوى الفكري والعاطفي للإيماءة التي ترسل إلى الجمهور ولكن بشكل غير مباشر . ويرى ((ستاين)) في كتابه ( الدراما والمنصة والجمهور) إن الممثل الإيمائي يجب أن يكون عارفا بالكلية التي يريدها الأداء التمثيلي الإيمائي ، معنى ذلك معرفته بأي قصد وعمله ذو تناسق واحد ، يعتمد إتمامه التوازن والتوافق الذاتي للأداء .
إن أصل كلمة البانتومايم (التمثيل الإيمائي) إلى اللغة الرومانية،وهي مشتقة من كلمتين:(Panto) وتعني كل شيء و(Mimeomai) وتعني أقلِّد،ومن مجموع هاتين الكلمتين انبثق مصطلح البانتوميم أو فن التمثيل الإيمائي الذي يعني فن التقليد أو فن المحاكاة لكل ما تحتويه الحياة.إن الفنون كلها-كما هو معلوم- وليدة طموحات الناس لينقلوا ما يحيط بهم من أشياء وظواهر،وهذا الكلام ينطبق على المراحل المبكرة من تطور الفنون ومن المؤكد أنه في تلك المراحل المبكرة بالذات كان يُطلق اسم بانتوميم على المَشاهد الراقصة الصامتة والحركات والأفعال والإيماءات التي كانت كلها تجسِّد الحياة الروحية لتلك الشعوب القديمة عندما تريد أن تعبِّر عن سعادتها بعد انتصارها في المعركة،أو عودتها من صيد وفير،أو احتفالها بزفاف أو قيامها بالطقوس الدينية.وفي وقت متأخر عندما تطور العقل البشري والحسِّ الجمالي،وأخذ الممثل الإيمائي يراقب ويجسد السلوك المميز لفئات من الناس من تجار وجنود وفلاحين ورهبان..الخ..عندئذ تجاوز هذا الفن المفهوم البدائي لهذه الكلمة ووصل إلى درجة أرقى،واكتسب مفهوماً فكرياً جديداً. ولكن أهم تطور حدث في المفهوم الفكري لفن التمثيل الإيمائي هو ما جرى في القرن العشرين إذ توفرت للممثل الإيمائي مفردات جديدة جعلته أكثر تفاعلاً وإبداعاً وتحليلاً ودراسة،وبالتالي أغنتْ تجربته وأثَّرتْ على إبداعه في تجسيد الشخصية التي يمثلها
إن عروض التمثيل الإيمائي لدى الرومان قد تصل إلى وضوح في القصد وبيان للدلالة المعبرة عنه ، بسبب انضباط عمل النظام الارسالي والإيمائي المدعم بالصوت الذي يقوم بعملية الإرسال المفسر للحركات . الأمر الذي يتقاطع مع عروض التمثيل الإيمائي المعاصر التي هي تجسيد للفكرة المسرحية بشكلها الظاهر والمحمول بوساطة جيد الممثل ، وعلى الرغم من كونها عروضا تتراوح ما بين فنية الرقص ومبدأ التصرف الواقعي فأنها – عروض التمثيل الإيمائي المعاصر – لا تصل إلى حتمية فكرية ثابتة . ومن خصائص التمثيل الإيمائي "الشخصية" التي تتجسَّد عن طريق الرمزية الشرطية، فالممثلون يقومون بأدوارهم دون أن ينطقوا بكلمة واحدة..إن لغتهم هي الإشارات والحركات ورشاقة الجسد وليونته..كل شيء على خشبة المسرح شرطيٌّ عدا الممثلين الحقيقيين،وعلى الرغم من ذلك فان المشاهدين ينجذبون لتلك الحركات الصامتة ويتابعون أفعال الشخصيات باهتمام شديد ويشعرون بسعادة خاصة وذلك بفضل الحركات الدقيقة للحياة المتخيلة والتي يحولها المُشاهد إلى واقع ملموس بمشاركته وتفاعله مع العروض.هذا وإن أهمية فن التمثيل الإيمائي تكمن في المواقف التي تتطور في ظروف شرطية واستخدام وسائل تعبيرية شرطية،وهكذا يستطيع أن يخترق الزمان والمكان بحرية دون حدود،وهذه الخاصية لفن البانتوميم إنما تؤكد ثقته الكبرى بالخيال الإبداعي لجمهور المشاهدين..وثمة تفاهم مسبق بين خشبة المسرح وصالة المتفرجين حول قوانين وشروط اللعبة في هذا النوع من فن التمثيل الإيمائي،فهناك عملية إبداعية مشتركة تتم بين الطرفين،وهذه العملية الإبداعية المشتركة إنما هي احد الأسباب التي تجعل تأثيره قوياً على الجمهور.وإذ نلقي نظرة على تاريخ فن التمثيل الإيمائي نرى أنَّ هذا الفنَّ كان فنَّاً شعبياً ومزدهراً،يلعب دوراً مهما في الألعاب والرقص والاحتفالات الشعبية، فهو فنٌّ مفهوم من قبل جميع الأفراد دون النظر إلى مستواهم الثقافي أو التعليمي أو الانتماء السياسي.ومهما كان مستوى المتفرج في فن التمثيل، حتى وإن كان متفرجاً عادياً جاء ليشاهد العرض بغية التسلية فقط،فانه سيخرج بأفكار ومشاعر جديدة أغنِيتْ بالمعارف عن حياة النفس البشرية التي يقدمها الممثل على خشبة المسرح . وأخيرا يمكن الاقتراب من المفهوم العملي لفن التمثيل الإيمائي الروماني بعدّه اتصالا عضويا حركيا ما بين الممثل والموسيقى والكورس يعتمد الإحساس بالكلية الأدائية على خشبة المسرح .