TOP

جريدة المدى > مسرح > " لعبة البداية والنهاية" في سجل صلاح القصب

" لعبة البداية والنهاية" في سجل صلاح القصب

نشر في: 13 مايو, 2013: 09:01 م

يقف اليوم د. صلاح القصب متأملاً ماضيه الحياتي والمسرحي . فقد كان قبل اليوم , منذ أكثر من ثلاثة عقود , مخرجاً ,بعد ان قدم آنذاك في الثمانينات من القرن الماضي الى العراق من (رومانيا ) ليجد نفسه في فضاء الحرب , مساقا الى مالا تشتهيه نفسه , ولا وعيه.تشبث

يقف اليوم د. صلاح القصب متأملاً ماضيه الحياتي والمسرحي . فقد كان قبل اليوم , منذ أكثر من ثلاثة عقود , مخرجاً ,بعد ان قدم آنذاك في الثمانينات من القرن الماضي الى العراق من (رومانيا ) ليجد نفسه في فضاء الحرب , مساقا الى مالا تشتهيه نفسه , ولا وعيه.
تشبثت روحه في الحياة , ودافع قدر المستطاع عن وجوده القلق , ولاذ بحيل اللاشعور كلها , ليبقى حياً , قادرا على تقديم عروض مسرحية , تجريبية , شاهد قرائنها في " بوخارست " أو " وأرشو " لكن باجتهاد عراقي خاص .
ورث المسرح في العراق , مواقف نقدية , متصلبة , نمطية , تارة بحجة الحفاظ على تراث المسرح العالمي بأصوله الحقيقية , وأخرى , تتعامل مع الجديد بروح الاحتفاء الطائش , والترحيب بما يطيح بالهالة الأبوية (البطرياركية) تحت ذرائع شتى , للتنفيس عن اضطرابها , وكراهيتها !
قد يغبط صلاح اليوم , صلاح الأمس , في زمن الحرب , حيث ارتبط بزملائه المخرجين عقيل مهدي , وشفيق المهدي , في أكاديمية الفنون الجميلة آنذاك , الذين يشاطرونه هم التجريب , والابتكار , والتطلع الى الحرية الإبداعية , بعيدا عن آلة الدمار الماحقة , التي يقودها مارس اله الحروب , في عالمنا المعاصر.
كان يستطيع ان يجمع في إخراجه لتلك العروض , أكثر الأسماء شهرة من الممثلين , والتقنيين , ويلوذ بحمى شعراء ينظرون , أو نقاد , وصحفيين , وأكاديميين يسعفون, وكأنه يستغيث بقوة الوعي الثقافي , لصد هجوم الجهل , والعنجهية , والدمار.
استطاع بطبعه الودود ان يفل حديد المؤسسة الرسمية الصارمة , أمثال مؤسسة السينما والمسرح واكاديمية الفنون الجميلة والمنظمات العمالية , والشبابية , وان يمرر مشروعه بطريقة غاية في الذكاء , مقدرا ردود الأفعال السلبية , وحاسباً لها ألف حساب , وبطريقة " تداولية " تجعل حتى خصومه من المثقفين هؤلاء ! في حيص بيص .
في زمن تجد فيه الناس , يتقمصون ما شاء لهم الهوى . من لبوس وادوار تتوزع مابين القاتم والوردي , كان صلاح ينظر بهلع الى غرف مقفلة , أشبه بمكان " سارتري " في جلسة سرية , أينما أرسل طرفه !
فالأحلام الفنية , وصبوات التجريب , والتأمل في حضارة الغرب , ومنه الغرب الشرقي مثل : رومانيا , حيث كان يدرس فيها الإخراج , كانت تحفزه على محاكاتها بجرأة فنان , وجد الأرض أمامه , مثل زملاءه , محروقة مسرحياً , فاجتهدوا لمُداراتها . فلقد ضيعت الحرب , جهود الرواد المسرحيين , وبات إبراهيم جلال , وجاسم العبودي , وجعفر السعدي من يوتوبيا الماضي , الذي أفل , وانطفأت قناديله , بتعتيم ليل بهيم , تتحشرج فيه الانفجارات , وتتوزعه المقابر , والخرائب , وضياع الأوطان . ويتسقط ارواحه المنتفعون الأراذل.
اليوم أصبح الماضي المسرحي الذي أنجزه صلاح , يضغط على يومه . لكنه في أثناء الحرب كان المستقبل يضغط عليه , بثقل مشاريع قادمة.
وبمثل ما تقذف " الراجمات " من ذخائر محرقة , وبمثل ما تدك حشوات المدافع العابرة للحدود , الأرض دكاً , وتهرس الناس بعشوائية غرائبية لا مبالية.
بات صلاح , مع زملائه الذين نذروا أنفسهم دفاعا عن الثقافة المسرحية , في صرح الأكاديمية , من الحريصين على روح العصر , والتواصل مع المنجز المسرحي العالمي الحديث.
زملاء قد يقتربون منه , أو يبتعدون عنه في تجاربهم الفنية (الإخراجية ) الخاصة , لكنهم جميعا كثفوا من البعد الاشاري والإيمائي ,وهم يتطلعون الى مستقبل وطني معافى , ومضيء , من خلال عوالم المسرح , وفضاءاته المفتوحة على الحداثة والتجديد.
سأل مرة ناقد انجليزي , المؤلف " الان ايكبورن "
•ألا تخاف من نجاحك ؟
•نعم , ولكن لا حيلة لي في ذلك . وعندما انظر الى نفسي الآن , اشعر انه لا أمل لي في ان أنافس الكاتب الذي كنته قبل عامين , أو ثلاثة . )
صلاح في أولى تجاربه " قدم" عرضا عن " جلجامش " , مصورا ببعض لقطات , وهو يركض لاهثاً باحثا عن الخلود , وكانت تقنية متواضعة إنتاجيا لكنها أثارت حفيظة نقاد الصحافة , وبعض المتخصصين في المسرح , لتطاولها – كما ظنوا – على مقدسات الكلمة , التي تبخرت في هذا العمل ! تحت هذيان الصورة.
وقفنا نحن , حينذاك , لنعزز من المغايرة للمألوف , ولكن بحرص , وحذر , من اجل ان نفتح لأنفسنا , ورؤانا الإخراجية , فضاءً مبتكرا آخر , يقطع أغلال محاكاة الحياة , بتلك المنطقية " الواقعية " , التي ما كانت " فنية " بل تكرارا للواقع الموضوعي , بطريقة باردة , ساكنة , او حين تهيج تصبح واقعية مختلة , ميلودرامية , لا ترضي الذوق الجمالي السليم , بل تتوافق مع عادات شائخة بغيضة .
يقف اليوم صلاح , موقفا جديداً , " راديكالياً " لينقلب على تجربته التطبيقية السابقة.
وهو اليوم حاملا للقب أكاديمي , أستاذ متمرس , يريد ان يثير زوبعة مغايرة , لما قدمه من عروض , تحت عنوان عريض : مسرح الصورة.
في مقابلة لصلاح في التلفزيون التونسي , انعقد لسان المخرج المسرحي التونسي (المنصف السيوسي) , وهو يرى الى صلاح , يبعثر ارثه المسرحي , ويبشر بمسرح آخر , يتعامل مع " الفيزياء الكمية " هذه المرة ! ويتخلى , أو يتبرأ من مسرح الصورة ! ويدعو الى الفيزياء الكمية في المسرح , ربما فات هذا اللقاء , تأشير حقيقة ان فيزياء صلاح , هي غير فيزياء ما بعد انشتاين , وعلماء الفيزياء الكمية كما عند (بلانك) ونظرائه .
تراه , أي صلاح , يتدفق مع مويجات الطاقة , والكتلة , والاتجاه , والتذبذب , والتشظي , مأخوذاً بكلمات شعرية , يحسبها معادلا موضوعيا , لعصر جديد , سوف تنتهي فيه الحضارة , والثقافة , وسوف لن تقوم قائمة لمسرح أو رقص أو تشكيل .
فالكتل الصلدة , ستذوب , وتنحل , مثل انحلال جسد هاملت الذي قال :
ليت هذا الجسد الصلب , يذوب وينحل الى قطرات من ندى .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram