كان منتظراً أن تضع الدجاجة السورية بيضتها في لبنان أو الأردن في حال اجتيازها الحدود، باعتبارهما خاصرة رخوة، لكنها اختارت التوجه شمالاً، وتحديداً إلى الريحانية، الواقعة في قلب الحلف الأطلسي، وكانت النتيجة نحو خمسين قتيلاً حمّل كل المسؤولين الأتراك النظام السوري ومخابراته المسؤولية عن مقتلهم، لاسيما بعد تحقيقات أولية مع تسعة مشبوهين اعتقلتهم، ومن بينهم ثلاثة سوريين. وقال وزير خارجية تركيا، إن بلاده تحتفظ بالحق في اتخاذ "كل أنواع الإجراءات"، وبالطبع أنكرت دمشق واتهمت رئيس الوزراء التركي بأنه قاتل وسفاح، وأنه وحكومته يتحملون مسؤولية مباشرة، سياسية وأخلاقية، تجاه الشعبين التركي والسوري، والمنطقة والعالم.
أبرز المتهمين بتنفيذ التفجيرات،كما جاء على لسان المسؤولين الأتراك، هو "التركي العلوي معراج أورال"، يحمل الاسم الحركي علي كيالي، المتهم بأنه المسؤول الأول عن مجزرة بانياس والبيضا، وهو أصدر بصفته قائد المقاومة السورية – الجبهة الشعبية لتحرير لواء الاسكندرون، وهذا تنظيم لم يسمع به أحد من قبل، بياناً قال فيه إن أردوغان يلفظ أنفاسه الأخيرة، وسيغرق في دماء سياسته التي بنيت على معادلة الموت للشعوب البريئة، لكن تنطّحه هذا، لم يمنع أنقره من التأكيد على إنّ الوقت حان ليقوم المجتمع الدولي بتحرك ضدّ بشار الأسد، في ظل تزايد المخاطر الأمنيّة التي تتعرّض لها تركيا وغيرها من جيران سوريا، وأن الهجوم يظهر كيف تتحول شرارة إلى حريق، عندما يظل المجتمع الدولي صامتاً، ويفشل مجلس الأمن الدولي في التحرك، وأن من غير المقبول أن يدفع الشعبان السوري والتركي ثمن ذلك. لم تطلب أنقرة عقد لقاء للأطلسي، لكن مصدراً دبلوماسياً في بروكسل، أعلن أن الحلف بانتظار معلومات رسمية من أنقرة عن التفجيرات، وألمح إلى إمكانية الرد عليها بالقول، إنه لبحث إجراءات الرد المشتركة، يجب أن تعقد جلسة طارئة لمجلس الناتو بمبادرة تركية، وبينما يرى البعض أن تركيا ترى في نفسها دولة قوية، قادرة على الرد بحزم على جميع الأفعال التي تهدد أمنها، ومواطنيها والمقيمين فيها، فإن تأخرها في الرد يوحي بأنها تسعى لإقناع واشنطن أولاً، بضرورة التدخل العسكري، مع الإصرار على أن دعمها للثورة السورية نهائي، ولا رجعة فيه، وهي مستعدة لدفع الثمن، على أن نظرية المؤامرة، دفعت دمشق للقول، إن المستفيد الأوحد من التفجيرات، هو أردوغان وحكومته، لأنه يريد ترهيب الشعب التركي، ليتمكن من حشده لتأييد سياساته، وتحقيق مكاسب انتخابية في الاستحقاقات المقبلة.
تؤكد تفجيرات الريحانية المخاوف من إحالة الصراع في المنطقة إلى مرجعيات طائفية، وأن هناك من يدفع سكان لواء الاسكندرون، ومعظمهم من العلويين، للانخراط فيه، مع قليل من الاستغلال للمشاعر القومية على خلفية أن اللواء أرض سوريا تحتلها تركيا، وإليه ينتمي المتهم الأول معراج أورال، وإذ يؤكد البعض أن دمشق خلفها، بسبب التصريحات التركية المتصاعدة، بشأن استخدام النظام السوري للسلاح الكيمياوي، وتصريحات أردوغان، التي أبدى فيها استعداده للمشاركة في أي حملة عسكرية تشنها واشنطن ضد النظام السوري، وإذ يعدّها وزير الخارجية الأميركي جون كيري رسالةً موجهةً الى واشنطن، فإن تداعياتها ستكون كبيرة ومؤثرة، وقد تكون شرارة حرب إقليمية، تحركها الأصابع الدولية، وقد تنخرط فيها.
الريحانية.. تصعيد الأزمة السورية
[post-views]
نشر في: 13 مايو, 2013: 09:01 م