تجاوزت خدمته الوظيفية الثلاثين عاماً ومازال يعمل في دائرة معطلة.. يدرك أبو زينب جيدا أن التقاعد أفضل شيء بالنسبة له حاليا، فهو بحاجة الى إراحة مفاصله المتعبة والتفرغ لمعالجة ابنه المريض بالسرطان. كما أن دائرته غير الخدمية والمنسية كعضو معاق في جسد مترهل جعلته (عطّالاً بطّالاً) بعد سنوات طويلة قضاها في الشعور بكونه موظفا حقيقيا في بلد أعاد للموظف هيبته حين زاد من راتبه الوظيفي بعد سقوط النظام السابق لكنه لم يتمكن من السيطرة على صعود مؤشر الغلاء ومتطلبات الحياة الجديدة الى الدرجة التي وزعت راتب الموظف بين خطوط النقل وخطوط المولدات والوقود وكارتات الموبايل واللحوم والفواكه والخضراوات والسلف التي تمنح الموظف أملاً بسيطاً في بناء سقف أو شراء سيارة أجرة أو الزواج – في أحسن الأحوال -..
إذن، صار التقاعد بالنسبة له هو الحل في الخلاص من الدوام المرهق والازدحامات وضياع اليوم في بطالة مقنعة لكن المشكلة انه يرفض الانسحاب في هذا الوقت من ساحة الوظيفة رفضا باتا.. قيل له أن تفكيره فيه الكثير من الأنانية فلو انسحب كل من هم في مثل سنه ستتاح الفرصة للخريجين العاطلين للتعيين في دوائر الدولة ولن تقتصر التعيينات على من يختبئون فقط تحت آباط المسؤولين من الأقارب والمعارف، لكن أبا زينب لم ينظر للأمر بهذه الطريقة فالتقاعد سيسلبه أكثر من نصف راتبه الكلي فمن أين سيسد النقص؟...كان يؤيد وجهة نظرهم على سبيل التعاطف مع الخريجين العاطلين لكنه يذكرهم بان الراتب التقاعدي الضئيل لن يفي بالغرض ويعدهم بأنه سيسهم في حل مشكلة البطالة ما أن يتم إقرار قانون التقاعد الموحد الجديد الذي يتابع أخباره يوميا في الصحف والفضائيات وصار ملما بكل عثراته وأسباب تأخيره التي لم تعد تقنع أحدا من المتقاعدين المتعطشين للمكوث في منازلهم وفسح المجال لغيرهم ولكن دون ان تتبخر رواتبهم مع تعب السنين وعرق الخدمة في دوائر الدولة المتعبة أصلا...
قبل الانتخابات تبنت إحدى الكتل النيابية قانون التقاعد لأسباب وطنية وإنسانية وأصرت على سنه والتصويت عليه وتمريره مؤكدة على ان إرادات سياسية وتقاطعات إدارية أخرت تنفيذ القانون، بينما أكدت اللجنة المالية النيابية ان المستشارين القانونيين في مجلس الوزراء وهيئة التقاعد هم السبب في تأخير القانون لتلكئهم في عملهم والتعامل مع القانون بعقلية متخلفة أدت الى عرقلة عمل الدولة.
نائب آخر من كتلة مخلصة شدد على ضرورة توحيد قانون التقاعد لجميع الموظفين بدون استثناء بضمنهم اعضاء البرلمان والرئاسات الثلاث، مشيرا الى انه لا يجوز للنواب وأعضاء مجالس المحافظات والوزراء ان يأخذوا رواتب تقاعدية ضمن القانون الموحد لأنه لايوجد موظف يأخذ تقاعدا بخدمة أربع سنين!!
لسنا خبثاء لنتصور أن تأخير القانون أمر متعمد لكن أبا زينب يؤكد لنا بفطرته ان قريبه رشح لانتخابات مجالس المحافظات ليحصل على راتب تقاعدي بعد انتهاء دورته الانتخابية فيضمن مستقبله ضاربا بعرض الحائط بشعاراته الانتخابية الداعية الى خدمة المواطن..الأمر لا يخلو من (الخبث) والتأخير المتعمد كما يرى أبو زينب وإذن فلم يبق أمامه إلا الانضواء تحت لواء كتلة كريمة في الإنفاق على مرشحيها ليصبح بين المرشحين في العام المقبل عسى ان يكون بين المسؤولين فيضمن بالتالي حصوله على راتب تقاعدي مجز...وما همه بعدها ان يتأخر قانون التقاعد وتزدهر بطالة الخريجين ويصبح شخصا أنانيا..ولماذا أصلا عليه أن يحمل أعباء الوطن على كتفيه دائما..ألا يحق له أن يحمل أحد همّه يوماً؟!!
خبث المتقاعدين الجدد
[post-views]
نشر في: 13 مايو, 2013: 09:01 م