TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خباثات ذكورية

خباثات ذكورية

نشر في: 13 مايو, 2013: 09:01 م

واحدة من الحكايات الممتعة التي اجدها تعمل في فضاء التنشئة الاجتماعية غير المقصودة، هي تلك التي تتحدث عن (الهدم). والهدم هو العباءة العربية التي يتم ارتداؤها كجزء من الزي العربي/ البدوي التقليدي. هذه الحكاية تروي قصة بدوي كان يملك إبلاً كثيرة وينشغل برعايتها، فكان يقضي نهاره سارحاً بها، حتى اذا اقترب المساء عاد الى خيمته ليتناول طعامه ويرتاح قليلاً، ثم ينشغل بحمايتها ليلاً، ما يضطره الى ان يفترش الـ(هدم) خاصته، ثم يستيقظ صباحاً ويترك هدمه على الأرض ويسرح بالابل ويعود ليلاً، ليجد الهدم على حاله فينام عليه بعد ان يؤلمه تراكم التراب عليه. وكان كلما طلب من زوجته ان تعتني قليلاً بالهدم، فتغسله، او تطويه وتدخله الخيمة، أو على الأقل تنفضه قبل النوم، كانت هي تختلق الاعذار وتتركه.
وفي يوم من الأيام قرر صاحبنا، في لحظة غضب خالطها كثير من المكر، أن يجعل للهدم خاصته قدراً كبيراً عند زوجته. وهكذا قرر أن يتزوج، واخبر زوجته بقراره الذي لا يقبل النقاش، ثم اختار زوجة ولبى لها كل شروطها مقابل ان تضمن له خدمة يسيرة جداً، وهي أن تنهض صباح كل يوم بعد أن يغادر هو الى المرعى، فتنفض التراب عن الهدم وتطويه باحترام وعناية وتضعه في مكان خاص ونظيف في الخيمة.
العروس التي وجدت الخدمة سهلة فعلاً سارعت الى قبولها، وتم الزواج فعلاً. وفعلاً نهضت باكراً في أول يوم خرج فيه الزوج الى عمله وقامت بواجبها. الزوجة الكبيرة التي كانت تراقب حركات العروس، فوجئت بالموضوع، لكنها اعتقدت بانه امر تلقائي، غير أنه تكرر في اليوم الثاني والثالث، فعقدت صاحبتنا العزم على ان تسبق العروس في العناية بالهدم، وتم لها ذلك، غير أن هذه الحركة لم ترق للعروس التي وجدت فيها حركة خبيثة تستحق الردع، فالعناية بالهدم مهمتها هي، وهكذا ما ان طلع فجر يوم جديد حتى نشبت معركة كبيرة بين الزوجتين، فكل منهما تصر على ان تكون مهمة العناية من شأنها، ولم تنته المعركة الا بتدخل الزوج الذي شعر بزهو الانتصار واقنع زوجتيه بان تتناوبان على العناية بهدمه التي اقترب منها واكد لها بأن وقت إهمالها وعدم العناية بها قد انتهى.
الحكاية جميلة شأنها شأن كل الحكايات الشعبية الأخرى، لكنها تنطوي على ثقافة ذكورية خبيثة جداً، ومثل هذه الحكاية وكثيرات غيرها، تناولت بعضاً منها بمقالات سابقة، تثبت أن هناك الكثير من السم المدسوس في عسل ثقافتنا الشعبية، وأن علينا أن نبحث عميقاً لننقذ ذائقة نشئنا من هذه الخباثات الذكورية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram