أبسط مشهد عزاء يمكن أن نشهده لمسؤول حكومي قتل مغدوراً من قبل مجموعة مسلحة بمسدس كاتم للصوت أمس الأول، هو مجلس عزاء رئيس المجلس البلدي السابق عضو مجلس المحافظة الحالي علي حسين علي -عن المكون السني في البصرة. المجلس الذي أقيم في مسجد السيد الصافي (شيعي) في ابي الخصيب، ولولا حضور النائب عن الحزب الإسلامي عضو البرلمان سليم الجبوري لما وقف شرطي في مدخل المسجد، ولما شوهد مسدس في مجلس العزاء كله.
هكذا وكما كان يقول علي حين كان يسأل لماذا تمشي وحدك، وبدون حماية كان يقول لا، لست بحاجة للحماية، انا في ابي الخصيب غير محتاج للحماية بين أهلي. قد اكون بحاجة للحماية خارجها، لكنه قتل داخلها مع الأسف.
في المسجد الشيعي الكبير، قبالة اليافطات والصور والحكم والأقوال الشيعية المعروفة جلس المعزّون من كلا الطائفتين، المقتول سني والمسجد شيعي، هي روح أبي الخصيب إذن، هو النهر بامتداده الطويل وهو النخل بأنواعه المعروفة كانت الصورة توحي بأكثر من معنى وقد ألقى الباعة في السوق الأقمشة الداكنة على بضائعهم، وخلا إلا من متعجل لا يأبه لأحد ودخل العامة والخاصة المسجد، ونادى المؤذن أنْ لا إله إلا الله، ثم جاء على ذكر عليٍّ والولاية له، وقال حي على خير العمل وصلت الناس، كل بحسب كلماته وأدعيته ومناجاته. توجهوا جميعا لربهم الأوحد.
ترى ما الذي حدث للجسد الزاهد، الذي خرّقه رصاص مسدسهم الكاتم قبالة منزله، ماذا عن الجثمان ذاك الذي ووريَ التراب أمس في مقبرة الحسن البصري، حيث لم يجف بعد تراب كل من (بائع الطيور والحيوانات الاليفة مازن محمد وعيسى وعبد الله عاشور وقتيبة العثمان وعبد الله عيسى وأخيرا داعية حقوق الانسان جلال ذياب) الذين قتلوا بذات المسدس في شهر واحد، ولماذا نروّع مثلهم كل يوم نحن الذين لا ولن نعرف سببا لميتاتنا؟
قبل أن ينتمي عضو مجلس محافظة البصرة السابق، رئيس المجلس البلدي في أبي الخصيب الذي قتل بمسدس كاتم للصوت أمس الأول بعد خروجه من مسجد آل إبراهيم. وقبل انتمائه للحزب الاسلامي حتى، كان اسمه علي حسين علي، وإذا كان اسمه لم يشفع له ليكمل الحياة به فقد كان إنسانا من أفاضل الناس في البلدة الصغيرة هذه، بل كان موظفا عراقيا بامتياز خلال وجوده كرئيس للمجلس البلدي، وفوق هذا كله ظل علي حسين علي حتى مساء أمس الأول ابا لولدين كانت قلوبنا تتفتت لمشهد وقوفهما مكسورين باكيين بباب المسجد وهما يردان على المعزين بعينين دامعتين.
ألم يكن ذلك كله مجزيا لكي لا يقتل الرجل الذي لم تفارق الابتسامة محياه؟ أنا ومثلي كثيرون يجزمون بان المسدس الذي امتد لصدره لم يكن بيد عراقية بصرية خصيبيةً،إنما هي اليد ذاتها التي ظلت تمتد لصدورنا من خارج الحدود.
لم يُكلّف مجلس محافظة البصرة عضوَ المجلس الحاج علي حسين علي بمهمة أمنية-اقتصادية-استثمارية-عسكرية بل كلفه برئاسة لجنة الخدمات الاجتماعية، وهي وظيفة إنسانية لا تماحك ولا تزاحم أحداً، لجنة تقدم خدماتها للعاطلين عن العمل، ذلك لأن سجل دائرة الرعاية الاجتماعية في ابي الخصيب أيام كان الحاج علي رئيسا للمجلس البلدي كان من أنقى السجلات، وكنتُ وقفتُ على بعض تفاصيله ايام كانت تثار قضية الفساد الإداري في دائرة الرعاية الاجتماعية في العراق.
وما شوهد الرجل محتميا بحماية وعساكر وبنادق. كنت اراه في كل مجلس للعزاء، كل مناسبة فرح من زواج وسواها .كان حياؤه حياء أهل ابي الخصيب، حياء النخل والأنهار والظلال. ترى لماذا قتلتم الرجل أيها الأوغاد؟ أتتقربون لعليٍّ بقتل شبيهه بالدين والخلق والنبل والتفاني... قاتلكم الله .
ولأن كان اسم الحاج علي حسين علي لم يشفع له ولم يجعل من وجهة كاتم الصوت غير وجهتها الحقيرة تلك، فقد ارتكبت الأقدار خطا فادحا، لأني أكتب ورقتي هذه وأتحسس الجهة التي قد تأتيني منها رصاصة الكاتم، ذلك لأن اسمي غير مخلّص لي اليوم على الإطلاق. ترى ماذا نفعل نحن الذين لا تشفع اسماؤنا لنا، نحن الذين لم ننتم لحزب مسلح قوي، لعشيرة من المعدان قوية؟ من بإمكانه يا ترى الامساك بالرصاصة التي نُحتت اسماؤنا عليها في وقت تضعضع قوام أجهزتنا الأمنية إلى الحد الذي سمح بقتل خمسة أشخاص خلال شهر واحد وفي ابي الخصيب وحدها؟
ما الذي سيفعله صديقي مستشار وزير الدفاع السابق ماجد الساري، وما الذي سيفعله قائد الشرطة اللواء فيصل العبادي وعشرات الضباط من الذين نعرفهم وتربطنا معهم صداقات ومواقف ونهايات، بل ما الذي ستفعله حكومتنا الفدرالية والمحلية من بغداد إلى البصرة وقد قتلوا أهلنا وأحبتنا في بغداد والرمادي وكربلاء وسواها من مدن عراقنا المفجوع دائماً؟
لماذا قتلتم علي حسين علي ؟
[post-views]
نشر في: 14 مايو, 2013: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...