منذ فوجئنا بسرعة التوافق على تكليف تمام سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية، قلنا إن سرعة التكليف لاتعني سرعة التأليف، وها قد مضى أزيد من شهر، والرجل يصارع حيتان السياسة اللبنانية، ويغوص في رمال شواطئها، دون أن يتمكن من بلوغ الماء، وهاهو وطن الأرز يتجه نحو أزمة سياسية شاملة، مصحوبة بمخاوف حقيقية، من تحولها إلى أزمة وطنية أكثر شمولاً وجذرية.
اليوم ينعقد مجلس النواب، على وقع حملة ترهيب، شنتها قوى الثامن من آذار ضد سلام ورئيس الجمهورية ميشال سليمان ووليد جنبلاط ، بهدف البت في مصير قانون الانتخاب، وفي ظل تلويح العديد من القوى السياسية بمقاطعة الجلسة، لرفضها أن يكون مشروع "اللقاء الارثوذكسي" البند الوحيد على جدول أعمالها، وهي اعتبرت ذلك استفزازاً غير مبرر، ودليلاً على عقلية الاستقواء التي تحكمه.
سلام في ورطته، يراهن على مزيد من المشاورات، تفضي إلى "تشكيل حكومة تريح البلاد وتنتقل بها نحو الأفضل على كل صعيد"، بعد أن صرف النظر عن حكومة الأمر الواقع، المشكلة من 14 وزيراً من المحايدين، أو حكومة 8+8+8 ، فيما يناور الحليفان القديمان الجديدان جنبلاط والحريري في السعودية للعودة إلى مقترحات رفضها وما يزال، فريق 8 آذار متمسكاً بالثلث المعطل.
ربما كانت معضلة سلام تكمن في الجدل حول قانون الانتخاب، وهو جدل يطال جذر الوضع السياسي في لبنان، ويشهد تجاذبات عميقة الجذور، والوضع الإقليمي غير المستقر، بتأثيراته في الساحة اللبنانية، وربما يكون المخرج الوحيد من الأزمة، هو تشكيل حكومة تكنوقراط بالكامل، ليتفرغ السياسيون لصراعاتهم، المعطلة لعجلة الحياة السياسية، فيما تتوالد الأزمات بشكل قد يقود إلى الانفجار.
حزب الله يستقوي، ويهدد الموافقين على حكومة لاتحظى برضاه، يهدد أيضاً بالعصيان المدني، وعدم تسليم الوزارات التي يشغلها مؤيدوه في حكومة ميقاتي، التي تقوم بتصريف الاعمال، أي احتلالها بالقوة، التي امتهن التلويح بها، منذ تحول من قوة للمقاومة، إلى حزب منخرط في ألاعيب السياسة، مع ثباته موالياً لسياسات المرشد الأعلى في طهران.
الأزمة حاضرة بقوة، سواء تشكلت الحكومة أو تاجلت، تم التوافق على قانون الانتخاب أم تعثر، جرت الانتخابات أو تم التمديد للبرلمان الحالي، والسبب كما يقول العارفون، هو ميوعة الحوار بين النخبة السياسية التي ظلت تؤجل الحسم في الكثير من القضايا، بانتظار جود،و حتى وصلت الأمور إلى حافة الوقوع في مأزق الفراغ الدستوري، وعلى كل مستويات الدولة، فيما الخلافات المستعرة لاتتوقف عند حدود فريقي الصراع، وهي تمتد داخل كل القوى السياسية، التي كانت متحالفة، خصوصاً بالنسبة لقانون الانتخاب، فيما تؤكد المصادر العليمة بالخفايا أن الحكومة لن تؤلّف، إلا بتوافق سياسي غير متوافر حالياً.
هل فوّت سلام فرصة كانت متوفرة لتشكيل حكومته العتيدة، وهو يقف اليوم عاجزاً، بعد تراجع جنبلاط عن منحه الأكثرية المطلوبة، بسبب الترهيب الممارس عليه من حزب الله والذين معه، وبسبب التحفظات التي برزت اليوم، على أسلوبه في المشاورات، وتحفظ البعض على السعودية، وهي من أهم داعميه، بسبب قصر تشاورها على حليفيها الحريري وجنبلاط، متجاهلة بقية الحلفاء التقليديين.
تمام سلام.. مكانك سر
[post-views]
نشر في: 14 مايو, 2013: 09:01 م