النائب ياسين مجيد يتمتع بروح الدعابة العبثية.. وهذه بالتأكيد ميزة تحسب له في عالم ما بعد الحداثة السياسية.. ولمن لا يدري، يقف السيد ياسين في أعلى هرم المقربين من رئيس الوزراء ، ويتولى في أحيان كثيرة دور الناطق باسم ائتلاف دولة القانون، أما عبثيته فقد تجلت في العديد من التصريحات التي دائما ما تثير غبار معارك وهمية.. آخر عبثيات السيد النائب هي التصريحات التي أطلقها من خلال قناة "العراقية" فبدلاً من أن يأخذ على محمل الجد الأزمات السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد، أو يلتزم الصمت حياء، كما يفعل أهل السياسة عندما يحرجون، نجد أن السيد مجيد آثر أن يستمر معنا في لعبة العبث بمصطلحات غريبة ، تستحق مكانا مميزا في معجم العبث اللساني الجاري إعداده بإشراف مباشر من السيد رئيس الوزراء.
ومما جاء في تصريح النائب مجيد شرح لأسباب تذبذب مواقف بعض الكتل السياسية، إذ قال بعد أن فتح الصفحة 120 من القاموس العصري للعبث إن "هنالك في السياسة يوجد مصطلح اسمه "لعم" - احفظوا المصطلح جيدا.. ل ع م - وهو الحالة الوسطية بين الـ (نعم) والـ (لا)" .. يحمل تصريح السيد مجيد شيئا من الغموض،إذ انه لم يوضح لنا عن أي وسطية يتحدث.. عن معارك كسر العظم التي خاضها ضد إقليم كردستان، أم عن "رشاش" التخوين والشتائم الذي كان يطلقه ضد كل من يختلف بالرأي مع مكتب المالكي.. المنطق والوقائع يرجحان طبعا عبثية القاموس الذي يريد أن يفرضه علينا ياسين مجيد على وزن الحرب الشاملة التي ظل يخوضها ائتلاف دولة القانون ضد محور الشر وأعداء الوطن من جميع الكتل السياسية، إلا من حالفها الحظ وحظيت بابتسامة "وطبطبة" رئيس الوزراء.
يكتب المفكر الراحل محمد أرغون: "الوسطية رؤية واسعة أشبه بالناظور المكبّر الذي يمكن أن يستخدمه أي إنسان مهما كان معتقده ودينه من أجل رؤية الواقع بصورة أكثر وضوحا واعتدالا" فيما يعلمنا الأمريكي مايكل ساندل من أن الوسطية تجعل صاحبها يدرس الأمور بعيدا عن حساب الربح والخسارة،.. وتجعل السياسي أكثر واقعية، منفتحا ، ذا أفق واسع، مرنا في علاقاتـــه، متزنا في مواقفه وتصريحاته، متسامحا، متابعا ومحللا جيدا للحوادث، مستقرئا الساحة، كما تعلمه كيف يبتعد عن التزمت والانتهازية السياسية، يؤمن بالتعددية و يحترم الرأي الآخر، يدعم ثقافة الحوار، يلتزم بأخلاقيات العمل والحوار".. هذه خصائص المدرسة الوسطية وصفات الشخصية السياسية وفق المنظور الوسطي.
حديث ياسين المجيد يكشف لنا أننا نعيش عصر المصطلحات العبثية ويثبت بالدليل اللاواقعي  ايضا ، أننا نعيش أزمة رجال سياسة.. حيث مازالت الناس تشعر أن ماحدث بعد 2003 هو تغيير في الوجوه. أما تركيبة الحكم ومفاهيم التسلط فهي نفسها التي عاشتها البلاد في ظل دولة "القائد الضرورة".. فما تغير فقط  هو اسم الحاكم لتجد الناس نفسها تعيش في ظل دولة المسؤولين ومبعوثي العناية الإلهية الذين اعتقدوا أنهم انتصروا في غزوة ضد سكان هذه البلاد.
أسال النائب مجيد ما المبادرات التي قدمتموها للناس وللعملية السياسية غير محاولة السيطرة على الناس والتحكم بحياتهم ؟  إضافة طبعا إلى الشهوة الجبارة في إعلان السيطرة السياسية، بدءاً من الدفاع عن عودة الوجوه القديمة لأعضاء مجالس المحافظات، وخطف الهيئات المستقلة، وانتهاء بالعناد في استمرار حالة الفوضى في الأجهزة الأمنية.
فيما تجد الناس في مقابل عدم الكفاءة من يقدم لهم شعارات غامضة عن حكومة الأغلبية، وكأن الجميع في العراق متلهفون على حكومة تضم شخصيات من عينة مريم الريس وكمال الساعدي وعباس البياتي، وطبعا لن ننسى وزير الاعلام ياسين مجيد.. وأنهم باسم 89 مقعداً في البرلمان يتصورون أن من حقهم أن يفعلوا ما يشاءون.. ولا مكان للمحاسبة والنقد والمساءلة!
للأسف البعض لا يزال مصرّاً على أن يعيّشنا معه في مصطلحات خارج الزمان والمكان.. وينسى أن الحكومات لم تعد تحيا بأمر إلهي، وان لا مكان فيها لدور "رئيس العشيرة".. ولا مكان للحكومات التي تريد أن تفرض مصطلحاتها العبثية على الناس.
الجهود الدؤوبة للغويي دولة القانون تشرف على الانتهاء، فمنذ الآن صار انتقاد النزعة التسلطية تعديا على الديمقراطية، وغداً وبسحر من قاموس ياسين مجيد تصبح الديمقراطية ومعناها البائد حكم الشعب، حكماً لمجلس الوزراء.. فلمَ إزعاج المواطنين - عفواً الرعايا - بمصطلحات قديمة، الأفضل تركهم يتفرغون لتعلم لغة ياسين مجيد الجديدة 0
بالمناسبة فإن قاموس النائب مجيد صار شبه جاهز، والعنوان حاضر "العبث في ظل دولة القانون" ... ايها المواطن احجز نسختك من الآن.