TOP

جريدة المدى > عام > المدى في مهرجان "كان" السينمائي الدولي الـ 66 : "عسل" الإيطالية فاليريا غولينو مـرٌ كمرارة المـوت

المدى في مهرجان "كان" السينمائي الدولي الـ 66 : "عسل" الإيطالية فاليريا غولينو مـرٌ كمرارة المـوت

نشر في: 19 مايو, 2013: 10:01 م

في أول محاولة إخراجية لها، تعمد الممثلة الايطالية فاليريا غولينو، إلى التواجه مع معضلة كبيرة يعيشها المجتمع الحديث ولا يزال يتساءل حوله عبر منطلقات القناعات الدينية والثقافية والتشريعية، وتلك هي مشكلة " الموت الرحيم". وتعرض شريطها " عسل" ضمن مسابقة ب

في أول محاولة إخراجية لها، تعمد الممثلة الايطالية فاليريا غولينو، إلى التواجه مع معضلة كبيرة يعيشها المجتمع الحديث ولا يزال يتساءل حوله عبر منطلقات القناعات الدينية والثقافية والتشريعية، وتلك هي مشكلة " الموت الرحيم". وتعرض شريطها " عسل" ضمن مسابقة برنامج "نظرة ما" في مهرجان "كان" السينمائي الدولي وتتنافس على جائزة "الكاميرا الذهبية".

ويضم مفهوم "الموت الرحيم" متناقضين يتعايش أحدهما مع الآخر في إطار التسمية، وينفيان بعضهما، إذ لا رحمة في الموت، ولا موت مع الرحمة. ومع ذلك فقد عمد لغويّو العربية، العصريون، إلى نحت هذه التسمية العربيّة المركّبة من مفردة " Eutanasia"، ذات الجذر اللاتيني، وربما لجأوا إلى ذلك لتثبيت قدرية الآصرة المستحيلة بين المفردتين، طالما أنّ من "يساعد" في " الموت الرحيم" ليس الجلاد ولا العشماوي الذي يُدخل رأس المحكوم بالإعدام في أشوطته، دافعاً إياه، بفعل القانون الوضعي، نحو القفزة الأخيرة، في فراغ الموت؛ كما أنّ من يُقدم على " الموت الرحيم" ليس شخصاً مقبلاً على الانتحار. وتحتاج الشخصيتان إلى كمٍ هائل من الشجاعة والجَلَد والثبات، لتحقيق الخطوة الأخيرة. 
سينما " الموت الرحيم"
وفيما أصبحت هذه الموضوعة واحدة من القضايا الخلافية في المجتمع الغربي والأمريكي والأوروبي، بين من يرى أنً "الحياة أمانة أودعها الرب لعباده من البشر"، ومن يرى في قرار إنهاء العذاب والألم بسبب المرض العضال "حقاً دستوريا" يتيح للمواطن فرصة وضع حد لحياته، في ظل استحالة البراء من ذلك المرض العضال ولوقف عذاباته.
وكحال جميع الفنون والآداب، فقد جاورت السينما، أيضاً، هذه الموضوعة الشائكة وعالجتها بأفلام قليلة، لكن مهمة، ولعل ابرز فيلم في هذا الإطار والأكثر جرأة، هو شريط كلينت إيستوود "Milion Dollar baby " والذي لم يكتفِ فيه إيستوود، رغم كونه محافظاً، بإنجاز العمل، بل أدى فيه دور مدرّب الملاكمة الذي يزرق بطلته الراقدة في الفراش ( هيلاري سوانك) الجرعة الأخيرة.
وتواجه مع الأمر أيضاً الاسباني آليخاندرو آمينابار في شريطه "البحر في الداخل" الذي أدى بطولته النجم الاسباني خافيير بارديم، وعاد معلم السينما الإيطالية ماركو بيلّوكيو ليتواجه مع القضية ذاتها في فيلم "الجميلة النائمة" التي شكّلت قضية الشابة إيليانا إنغلارو، صلبها، وهي التي شغلت المجتمع السياسي والثقافي الإيطالي في السجال لسنين طويلة لايزال مستمراً حتى الآن، وأسهم، ويُسهم الطابع الكاثوليكي الطاغي في المجتمع الإيطالي، ووجود الفاتيكان في روما، كثيراً في تواصله واستعاره.
ممثلة، مخرجة جيّدة
" فاليريا غولينو كانت حتى الأمس ممثلة جيّدة، وبإمكاننا أن نقول أنها اليوم مخرجة جيّدة وكاتبة سيناريو متمكّنة" 
هكذا وصف الناقد الإيطالي الكبير جانلويجي روندي فاليريا غولينو بعد مشاهدة " عسل"، وهو بحق وصف مُستحق، فبعد تجارب تمثيلية عديدة منذ ميلادها فنيّاً في عام 1985، وبعد ان جرّبت، ككل السينمائيين وهج الحلم الهوليوودي، وعملت في بضعة أعمال من بينها "رجل المطر" إلى جانب توم كرويز وداستن هوفمان، لكنها قررت العودة إلى بلادها عن قناعة في ان هذه هي أرضها، وبإمكانها ان تنمو فيها كشجرة في الأرض الصحيحة، ولأنها رفضت فكرة المكوث في هوليوود بانتظار أدوار ثانوية لإيطاليات يعشن في أمريكا. واحتلّت فاليريا غولينو مساحتها في مجال التمثيل السينمائي الإيطالي، وكانت قد حققت بفيلم " قصة حب" لفرانتشيسكو مازيلّي جائزة افضل ممثلة في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عام 1986.
العسل المر
و "عسل" هو الاسم الذي تختاره الشابة الثلاثينية "إيريني" لنفسها حين تتقدّم لمساعدة المرضى النهائيين في إنجاز الخطوة الأخيرة، تسافر بين المدن والبلدان وتبدو في كل مرة وكأنها تشيخ سنيناً، ما يدفعها إلى التواجه مع موجات البحر العاتي رغم برودة الطقس أو ركوب دراجتها الهوائية وسياقتها بعنف كأنها تحاول التخلّص من ثقل علق بكاهلها. 
تبدو "عسل" ماضية دون توقّف في "أداء خدمتها" مقابل ثمن، ولا تعتبر نفسها "راهبة" أو "فاعل خير"ً بل "مهنيّة تساعد مرضى" لمواجهة مرض يعجز الطبّيون الآخرون عن مواجهته أو حسمه. وبرغم ثقل الحالة، لا تبدو "عسل" في أزمة مع ذاتها. إلاٌ أن الأزمة تلد عندما تلتقي ببروفيسور سبعيني يريد أن يضع حداً لحياته، لكنه، وبعد أن استلم العقار وسلّم "عسل" مستحفّاتها، يرفض وجودها إلى جانبه خلال تنفيذ العملية ويخبرها أنه ليس مريضاً، بل معافى بشكل كامل، يرغب في وضع حد لحياته، لاقتناعه بأنه عاش ما يكفي. وهنا تبدأ أزمة "عسل" الحقيقية، إذ ترفض منطق البروفيسور وتصرخ في وجهه بأنها ليست قاتلاً مأجوراً، بل شخصاً يساعد على وقف آلام المرض اللانهائية لأناس لا أمل في شفائهم على الإطلاق. وتفشل جميع محاولاتها لإرجاع العجلة إلى الوراء، فالبروفيسور أقوى منها وأكثر جَلَداً وإصراراً على موقفه. 
أدت بطولة الفيلم النجمة الإيطالية الشابة ياسمين ترينكا، التي اكتشفها المخرج الإيطالي الكبير نانّي موريتّي، في فيلم " غرفة الابن" الذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان " كان" في عام 2001. وبرغم تميّز دور "عسل" فثمة في الفيلم أداءٌ كورالي يبرز من خلاله، بشكل رائع، معلم التمثيل ونجم السينما والمسرح الإيطالي كارلو تشيكّي، الذي يؤدي دور البرفيسور السبعيني ببراعة فريدة. وبرغم أهمية الأسماء التي اشتغلت معها في هذا الشريط، فقد أبرزت فاليريا غولينو قدرة كبيرة في إدارة الممثل، راكمتها، بالتأكيد، من خلال عملها مع كبار مخرجي أوروبا والعالم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مدخل لدراسة الوعي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

في مديح الكُتب المملة

مقالات ذات صلة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع
عام

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

علي بدركانت مارلين مونرو، رمزاَ أبدياً لجمال غريب وأنوثة لا تقهر، لكن حياتها الشخصية قصة مختلفة تمامًا. في العام 1956، قررت مارلين أن تبتعد عن عالم هوليوود قليلاً، وتتزوج من آرثر ميلر، الكاتب المسرحي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram