نتجاوز ما أعلنته صحيفة كلارين الأرجنتينية، عن فخ أعدّه إعلام القصر الجمهوري السوري، لصحفييها اللذين أجريا مقابلة مطولة مع الرئيس بشار الأسد، حيث تم إبلاغهما أن أمراً رسمياً صدر بمنع التسجيل، والاكتفاء بترجمة يعدها المكتب الإعلامي، ما دفع الصحفي للاعتماد على ما تذكّره، وما دوّنه على دفتره أثناء المقابلة، مضافاً إليه ما ترجمه المكتب الإعلامي إلى الإسبانية والتأكد بأنه مطابق لما كتبه، فتلك أساليب كل الأنظمة الشمولية.
نتعامل مع المقابلة على أن ما نشر منها يمثل فعلاً وجهة نظر الأسد إزاء ما يجري في بلاده، فنكتشف أنها مثقلة بمغالطات وتناقضات، ومحاولات بائسة للي عنق الحقائق الدامغة، التي لا تحتاج لإثبات، فهو يؤكد عدم مشاركة حزب الله في الدفاع عن نظامه، مع أن ذلك الحزب المذهبي بامتياز، اعترف بالمشاركة، واصفاً إياها بالواجب الجهادي، ومع أن جثث قتلى ذلك الحزب في القصير وغيرها، تصل تباعاً إلى لبنان، المنكوب بولاء الشيخ نصر الله المطلق لسياسات ولي الفقيه، والتي حولت حزبه من مقاوم لإسرائيل إلى مقاتل ضد طموحات السوريين.
أي تناقض أكبر وأوضح من تأكيد الأسد أن لا حوار مع الإرهابيين، والاستعداد للحوار مع كل من يلقي السلاح، إلى جانب تأكيده بأن كل معارضيه يحملون صفة الإرهاب، وفيهم لصوص وقطاع طرق، لا علاقة لهم بالسياسة، وأي بؤس في إعلانه الاستعداد لمحاورة أي طرف يريد الحوار دون استثناء، شريطة أنه لم يتعامل مع إسرائيل، وهو بذلك يحصر هذا "الشرف" بنفسه ونظامه، وأي مغالطة أوضح من اعترافه بأن مطالب السوريين كانت في البداية إصلاحية، وأن الإرهاب كان في بدايته محلياً، وبما يوحي أن الأسد يخلط بين مطالب الإصلاح والإرهاب، ويضعهما في سلة واحدة، ما دامت النتيجة تصب في طاحونة الحد من صلاحياته، أو التخلص من الأسلوب المافياوي، الذي حكمت به سوريا أكثر من أربعة عقود، وأي تناقض في هذا مع تأكيده في موقع آخر أن التدخل الخارجي وحده هو سبب الأزمة.
يحسم الأسد مسبقاً، أن المحادثات المقترحة لإحلال السلام في سوريا، لن تحد من الإرهاب، وأن الاعتقاد بنجاحها أمر غير واقعي، برغم تبني حلفائه الروس لها، ومحاولات حلفائه الإيرانيين الانخراط فيها، والسبب وراء هذا أن بعض القوى المشاركة في الحوار، ترفض استمراره حاكماً، وهو يرى أن ذلك رفض للحوار مع الدولة، على اعتبار أنه يختصر سوريا في شخصه، وهو يرى في ذاته ربّاناً لسفينة لن يتركها وهي تواجه العاصفة، مع أن المطلوب هنا ربّان ماهر، وليس أي ربّان يزعم أنه لن يتخلى عن مهامه، وأنه ليس الشخص الذي يمكنه الهروب من المسؤولية.
المسألة الجوهرية التي استهدفتها المقابلة، هي التأكيد على أن الأسد لن يتنحى اليوم، ولا غداً، وأنه سيظل رئيساً حتّى انتهاء ولايته، مع التأكيد على المنافسة على المنصب في الانتخابات القادمة، والتي تليها، بحسب الدستور الجديد الذي فصّله للبلاد، مع ضرورة تجاوز فترتيه الرئاسيتين، والتي قضى في أعوامها الأخيرة الثلاث ما يقرب من 100 ألف سوري، ودمرت فيها البلاد، لأنه يرى أن مسألة ترك منصبه ليس قراراً شخصياً، وأن شعبه يحدد بقاءه من عدمه، وصندوق الانتخابات هو الحكم، وهو يستعد سلفاً للتلاعب بنتائجها، حين يقرر بالنيابة عن مواطنيه رفض أي مراقبين دوليين لها، لتأكيد نزاهتها، على اعتبار أن ذلك يمس السيادة الوطنية، التي ينبغي الاعتراف أنها اليوم ورقة مساومة في جيب ولي الفقيه، ووكيله اللبناني.
أصدق ما في المقابلة، وأصح ما فيها، اعتراف الأسد أخيراً، أن سوريا في أزمة، وأعجب ما فيها أنه يتصور نفسه قادراً على حلها.
الأسد الربّان!
[post-views]
نشر في: 20 مايو, 2013: 10:01 م