TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مجلس القضاء يتحول الى شركة مساهمة

مجلس القضاء يتحول الى شركة مساهمة

نشر في: 20 مايو, 2013: 10:01 م

افرحي يا دولة القانون.. وصفـِّقي يا عدالة.. واطمئني يا مؤسسات، لن يُحاسب أحد.. ولن يُقال أحد.. هكذا حكَمَ القضاء " المستقل " في القضية التي رفعتها هيئة النزاهة حول صفقة الأسلحة الروسية.. فقد اكتشفت الناس ولو متأخراً أن ما اُثير في هذه القضية مجرد لغط سياسي ولم يكن هناك أي إثبات، وبالتالي فان هذه القضية ليست جريمة والقضاء لا يُعاقب على التحضير للجريمة... ولأن القانون لا يحاسب على النوايا كما أخبرنا النائب القانوني " جدا " محمود الحسن.
رسمياً كان الناطق الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء أول من قال لنا إن المالكي ألغى صفقة السلاح الروسية التي تفوق قيمتها 4 مليارات دولار، نظراً إلى بعض شبهات الفساد التي شابت الصفقة بحسب قوله.. وكان هناك مشهد كوميدي عرفنا من خلاله ان رئيس مجلس الوزراء أمر بإجراء تحقيق في الصفقة.. وهذا الفاصل الساخر أطاح فيما بعد بوزير الناطقية علي الدباغ وحوَّله بين ليلة وضحاها الى معــد ومقـدم برامج " توك شو ".
وكلنا يتذكر القصة التي رواها مسؤول كبير لصحيفة الحياة اللندنية والتي كشف فيها بالأسماء عن المتورطين بتلك الصفقة عبر مبالغ رشا وصلت إلى 200 مليون دولار، كان من المقرر ان يدفعها وسطاء، والوقائع أكدت أن المجموعة المتورطة بالصفقة كانت قد حصلت على مبالغ أولية مقابل التوقيع على ان يتم الحصول على المبلغ الباقي فور بدء العراق بسداد المبلغ الكلي، وان المبالغ تتراوح بين 25 مليوناً و60 مليون دولار هي حصص كان من المفترض ان يحصل عليها نحو 11 شخصاً لهم علاقة بصفقة التسلح... هذه هي الحقيقة التي يصرّ البعض على حجبها ولفلفتها، من خلال عروض قضائية ساذجة ، وكلام من عينة ان الأمور لم تتعدَّ النوايا، وان مجرد التفكير في استغلال المنصب لا يعد جريمة ما دامت النقود لم يتسنَّ لها ان تتحول الى حسابات خاصة في بنوك لندن أو أبوظبي، وأن الخلاف لا يعدو ان يكون بين كلمة "نوايا " و"رشوة " وسينتهي هذا الخلاف في التعبير، فالمسيرة لابد ان تنطلق إلى الأمام، ما دام لدينا قضاء يعتمد على القراءة الخلدونية للنائب محمود الحسن.
للأسف ينسى السادة أعضاء مجلس القضاء ان فضيحة الأسلحة الروسية، هي تكرار لجرائم وسرقات كثيرة ارتكبت وسترتكب في المستقبل وإن اختلفت التفاصيل والوجوه، لأن القانون يجرى تغييبه وتجاوزه بمعرفة من هم مسؤولون عن تطبيقه والدفاع عنه.
كان يقال: إذا أردت أن تدمر بلداً أطلق على قضائه رصاصة الانحياز،، وعمم بـه عبارات من عينة:، عفواً، كنا على خطأ، لأن المتهمين مساكين ، حلموا مجرد حلم أن يضعوا عشرات الملايين من الدولارات في جيوبهم الخاصة.
للأسف يحتاج قضاؤنا إلى مزيد من الهيبة، أو على الأقل إلى القليل منها، فقد أمضى السنوات الأخيرة وهو يرفع سيف الدفاع عن السلطة التنفيذية ويجد لها المبررات القانونية لابتلاع كل مؤسسات الدولة!
العدالة الاجتماعية على الأرض هي حكم القانون، شرط أن يكون عادلا، وحكم القضاء شرط أن يكون نزيهاً، الديمقراطية تعطي الحق للبعض لكنها لا تلغي حق الآخرين، ولعل أفضل ما في القانون أن تكتب بنوده بلغة يفهمها الناس، لا الغاز ولا " حزورات " ، لأن أمام القانون يجب ان لا يكون هناك فرق بين مَن كان ينوي السرقة ، والسارق.. لأن الفرق يحوِّل القضاء من سلطة مستقلة الى مجرد "حارس" أمام باب رئيس مجلس الوزراء.
اليوم يجد الناس أنفسهم وبفضل قرارات القضاء أمام حالة انتقائية صارخة في التعامل مع القانون الذي يشهرونه في وجوهنا طوال الوقت إذا قلنا بأن الحكومة مقصرة في واجباتها تجاه الناس وإنها تسير في طريق العدم بأقصى سرعة منذ سنوات. السؤال الذي أطرحه على رئيس مجلس القضاء هو: كيف سيصدق الناس أن قضاة يتنازلون عن حق المواطن في محاسبة المسؤول المرتشي والسارق، يمكن أن يكونوا حماة للقانون ومقاتلين أشداء من أجله؟ عندها فان الناس لا يمكن لهم بعد ذلك أن يثقوا بقضاء تحركه دوافع ونوازع سياسية، فضلا عن أن هؤلاء الناس أنفسهم يدركون جيدا خطورة أن يخضع القضاء لتأثيرات جهة سياسية معينة.. لأن الراسخ في أذهان العراقيين أن أولى بشائر الديمقراطية في العراق كانت في الإعلان عن تشكيل قضاء يقف إلى جانب الصدق والحق والعدل، وبناءً عليه ندعو الله صادقين أن يكون تفسير قرار المحكمة ببراءة المتهمين بصفقة الأسلحة الروسية صحيحاً، وأن يخرج مجلس القضاء الأعلى ظافراً منتصرا، كان الناس يتوقعون أن يُسهم القضاء في مساعدتهم على دخول المستقبل، وبناء دولة تقوم على أساس حق المواطنة لا حق الساسة، وعلى العدالة والمساواة لا على توزيع صكوك البراءة بين الأصحاب والأحباب!
وقديماً قال الفيلسوف جون لوك: حينما تنتهي سلطة القانون تبــدأ سلطة الاستبداد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. مواطن

    فأبقى على سلطة دولة القانون لكي لا يأتك سلطة الاستبداد!!..

  2. المدقق

    ان كان في نيتكم تدمير العملية السياسية في البلاد فهل ان القضاء سيحاسبكم على هذه النوايا ؟؟؟ اتقوا الله واحكموا بحكمه ... فان البينة على من ادعى واليمين على من انكر .... ام ان على القلوب والعقول اقفال لا تريدون فتحها ؟؟؟؟

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram